ما قبل المعركة
أرسل الله عز وجل رسوله الكريم محمدا بن عبد الله من فرع بني هاشم القرشي، إلا أن قريشا كذبته وحاربت رسالته بكل ما أوتيت من قوة، فقتلت وعذبت العديد ممن آمنوا به وصدقوه، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين آنذاك بعدم الرد بالعنف على قريش، لأن الأمر الإلهي لم يسمح بعدُ بمواجهة الكُفرِ ماديا، لكنه صلى الله عليه وسلم أمرهم ، ويورد الإمام في صحيحه : “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع أن يكفهم عنهم إن بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد ، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا”صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب الهجرة إلى الحبشة، ص:227.
وبعدها انعقدت بيعة العقبة التي قرر بعدها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة) وقد سبقه إليها عدد كبير من اللذين حظوا باستقبالٍ مميز من طرف الأنصار (الأوس والخزرج). وعلى الرغم من ترك الرسول عليه الصلاة والسلام لموطنه والابتعاد عن قريش، إلا أن هذه الأخيرة لم تدعه وشأنه، فقد حرصوا على الكيد للمسلمين، خاصة وأن أطرافاً جديدة انضافت إلى صف أعداء النبي عليه السلام، في مقدمتهم المُلَقَّبُ بكبير المنافقين “عبد الله بن سلول” الذي ناصب العداء باطنيا للرسول صلى الله عليه وسلم، زيادة على اليهود اللذين تذمروا من بعثة آخر الأنبياء والرسل عليهم السلام من قريش، حيث كانوا ينتظرون بعثته منهم، “فكانوا يتهددون به الأوس والخزرج”أبو العباس شهاب الدين الناصري ـ الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى.
وفي هذه الأجواء العدائية المنذرة بالخطرة، تحرك المسلمون بقيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لفرض قوته في ميزان القوى في المنطقة.
أسباب معركة بدر
بدأت بوادر تلوح في الأفق بعد وصول أنباء عن قافلة تجارية قرشية يقودها “سفيان بن حرب”، فقرر صلى الله عليه وسلم الخروج لاعتراض طريق القافلة والسيطرة عليها ردا على مصادرة قريشٍ لأموال و ممتلكات المسلمين في مكةصفي الرحمن المباركفوري ـ الرحيق المختوم، ويقول “أبو محمد عبد الملك بن هشام” في “السيرة النبوية” أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: “هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها”أبو محمد عبد الملك بن هشام ـ السيرة النبوية، هكذا وجدت قريش فرصة سانحة لإبادة المسلمين ولا يجب أن تفوتها، كما أن “أبا جهل عمرو بن هشام” حرض على القتال واستغلال الفرصة لتوجيه ضربة قاصمة للمسلمين، وفرض هيبة قريش على القبائل العربية. هكذا خرجت قريش لمواجهة المسلمين في نحو ألف وثلاث مئة مقاتلصفي الرحمان المباركفوري ـ الرحيق المختوم.
ويقول الكثير من العلماء أن الشيطان تمثل لقريش في صورة “سراقة بن مالك المدلجي” وقال لهم “لا غالب لكم اليوم من الناس، وأنا جار لكم من أن يأتيكم كنانة بشيء تكرهونه”، فنزل القرآن الكريم يصف هذه الواقعة: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)})سورة الأنفال، الآية 48. بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خبر عزم قريش على القتال، وحينئذ خشي عدد كبير من المسلمين ملاقاة قريش في الوطيس، فأنزل الله تعالى فيهم آيات بينات من : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}سورة الأنفال، الآيات: 5ـ6ـ7ـ8، فقال “المقداد بن الأسود” رضي الله عنه وهو من كبار الصحابة المهاجرين: “يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى… ولكن امض ونحن معك”ابن هشام، السيرة النبوية، غزوة بدر الكبرى.
تنظيم الرسول صلى الله عليه وسلم للمجاهدين في معركة بدر
ابتكر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أسلوباً جديدا في المعارك لم يألفه العرب في حروبهم، وقد أشار لهذا الأسلوب في سورة “الصف” عندما قال جل من قائل:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)}سورة الصف، الآية:4، حيث يقف المجاهدون على هيئة المصلين، ويكون في الصف الأول حاملوا الرماح لصد هجمات الفرسان، وفي الصفوف الخلفية يقف قاذفو النبال لتشتيت تمركز الأعداء.
معركة بدر الكبرى
بدأت المعركة بوقوف الجيش المسلة قُبالة جيش قريش اللذين جرج منهم “الأسود بن عبد الأسد المخزومي” قائلاً: “أعاهد الله لأشربن من حوضهم، ولأهدمنه، أو لأموتن دونه”صفي الرحمن المباركفوري ـ الرحيق المختوم. فخرج إليه عم النبي صلى الله عليه وسلم “حمزة بن عبد المطلب” رضي الله عنه فصرعه بضربتينابن هشام، السيرة النبوية، غزوة بدر الكبرى.
ثم خرج ثلاثة من قريش، ليخرج أمامه ثلاثة من أسود الإسلام هم “عبيدة بن الحارث”، “حمزة بن عبد المطلب”، و “علي بن أبي طالب” رضي الله عنهم وأرضاهم، فقتل حمزة وعلي عدويهما، أما عبيدة وعدوه فقد ضرب كل منهما الآخر في نفس الآن، فكَرَّ حمزة وعلي إلى العدو فقتلاه ثم حملا عبيدة وأتيا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنه استشهد متأثرا بجراحهعبد الكريم زيدان ـ المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة.
آنذاك غضب زعماء قريش فهجموا على جيش المسلمين الذي ظل صامداً في موقف الدفاع، وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرموهم بالنبال إلى أن اشتبك الفريقان، وكان الله عز و جل قد أيد المؤمنين بالمدد، ففي هذا الصدد يروي الإمام أحمد بن حنبل في الجزء الثاني من مسنده ناقلا عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “…فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله، إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت، فقد أيدك الله تعالى بمَلَكٍ كريم…”مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج2، ص:18.
نتائج معركة بدر
انتهت معركة بدر الكبرى بانتصار ساحقٍ للمسلمين، فكان عدد قتلى قريش سبعين رجلا، وأسراهم سبعون، أما في صفوف المسلمين فقد استشهد أربعة عشر رجلاً وهم:
- ثمانية رجالٍ من الأنصار (رجلان من الأوس، وستةٌ من الخزرج): سعد بن خيثمة الأوسي، مبشر بن عبد المنذر، يزيد بن الحارث الخزرجي، عمير بن الحمام السلمي، رافع بن المعلى، حارث بن سراقة، معوذ بن الحارث، عوف بن الحارث. رضي الله عنهم جميعا.عبد الكريم زيدان ـ المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة
- ستة رجالٍ من المهاجرين: عبيدة بن الحارث، عمير بن أبي وقاص، صفوان بن وهب، عاقل بن البكير، ذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعي، مهجع بن صالح العكي. رضي الله عنهم جميعا.عبد الكريم زيدان ـ المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة