أشهر شعراء الهجاء

“هذا لذاكَ ورُبَّ قافيةٍ.. قد قلتُها كالطعنةِ الخلسِ”

كما قال ابن الرومي، شعر الهجاء كان عند العرب بمنزلة الطعنات، إذ كان خوفهم من الهجاء أعظم من حبِّهم المديح وطربهم له. وإذا كان العربي يُسَر للمديح فإن كرهه للهجاء كان أضعاف ذلك، لدرجة أنهم كانوا يعايشون شعراء الهجاء على حذرٍ حتى لا تصيبهم ألسنتهم، ومن ثمَّ استغلَّ الشعراء هذا الخوف عند العرب، فأخذوا يُهدِّدون ويتوعدون بالهجاء.
وكان شعر الهجاء منتشرًا منذ العصر الجاهلي مرورًا بعصر صدر الإسلام والدولتَين الأموية والعباسية حتى العصر الحديث. وفي الجاهلية كان الشاعر إذا أراد الهجاء لبس حلةً خاصة، وحلق رأسه، وانتعل نعلًا واحدة، فيتشاءم الناس منه ويجتنبونه.
أما في صدر الإسلام، فقد انتشر الهجاء بين الشعراء وغير المسلمين، وازدهر بعدها في العصرَين الأموي والعباسي بظهور كبار شعراء الهجاء كجرير والفرزدق وابن الرومي وغيرهم.

الشاعر الحطيئة .. لم يسلمْ منه أحدٌ

هو شاعر من شعراء صدر الإسلام، عُرِف عنه أنه لم يسلمْ من هجائه أحدٌ حتى أمه ، لدرجة أنه هجا نفسه قائلًا “أرى لي وجهًا شوَّه اللهُ خَلقَهُ .. فقُبِّح من وجهٍ وقُبِّح حاملُه”. وعندما ضجر الناس وغضبوا منه، لجأ الخليفة عمر بن الخطاب إلى سجنه، ثم دفع له مبلغًا من حتى لا يهجو أحدًا مرةً أخرى.

جرير .. أهجى الشعراء

هو جرير بن عطية الكلبي التميمي، أهجى شعراء العرب. ذاع صيته في عصر ، فكان أشهرالشعراء في فنِّ الهجاء، وقد كان جرير بارعًا في المديح والرثاء والغزل العفيف أيضًا.
بدأت شهرته الشعرية بالنقائض ضد شعراء عصره، والنقائض هي قصائد يهجو فيها الشاعر شاعرًا آخر، فيردُّ عليه الآخر من وزن قصيدة الهجاء الأولى نفسه ومن القافية ذاتها، وكانت أشهر هذه النقائض قصائده ضد الفرزدق والأخطل.
ومن قوة شعر جرير وتأثيره، أمر الحجاج بن يوسف بقتل سعيدٍ بن جبير بسبب بيتًا قاله جرير عنه، وهو: “يا ربَّ ناكث بيعتَين تركته .. وخضاب لحيته دمُ الأوداجِ”. وهو يتهم فيه سعيدًا بنكث بيعتَين لأمير المؤمنين. وكان شعره أيضًا سببًا في إعراض الخليفة المنصور عن الزواج بأخت هشام بن عمرو التغلبي، عندما قال:

قد يهمك هذا المقال:   أنواع الكتب

“لا تطلبنَّ خؤولةً في تغلب .. فالزنج أكرم منهمُ أخوالا”.

الفرزدق .. صديق جرير اللدود

الشاعر الفرزدق هو همَّام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، وكنيته أبو فراس، لقَّبه العرب بالفرزدق بسبب جهامة وجهه وغلظته. كان متقلب المزاج في علاقاته مع الناس، فيومًا يمدح الرجل، وفي اليوم التالي يهجوه، وهو من أشهر شعراء العصر الأموي.
ومن قوة لفظه وجزالته قال عنه العرب: “لو لم يكُن شعر الفرزدق، لذهب ثلث لغة العرب”. وقال الجاحظ عنه أنه لا أحد مثله يجيد التجويد في قصار القصائد وطوالها. ربطته صداقة قوية بالأخطل وجرير، على الرغم من أنَّ الذي يقرأ قصائدهم في الهجاء يظن أنهم ألد الأعداء.
وفي شعره لهجاء جريرٍ قال:

“أولئك آبائي فجئني بمثلهم .. إذا جمَّعتنا يا جرير المجامعُ، فيا عجبًا حتى كليب تسبُّني .. كأنَّ أباها نهشل أو مجاشعُ”

وكان علماء والنقد قد اتفقوا على براعة جريرٍ والفرزدق والأخطل وبلاغتهم، وإن اختلفوا على من هو أشعر من الآخر، فكان العلماء يُقيِّمونهم في ذلك وفق الميول والهوى، فمن كان يميل إلى رقة النسيب والغزل وجمال الأسلوب اختار جريرًا، ومن كان يهوى فخامة اللفظ و صلابة الشعر كان عنده الفرزدق أفضل، وهكذا.

ابن الرومي .. الشاعر المتشائم

هو علي بن العبَّاس بن جریح الرومي، وكنيته أبو الحسن، من العصر . لم تكُن حياته بالهينة، فكان دائم التشاؤم؛ إذ لم يجد التقدير الذي يستحقه عند الناس والسلطان، فسخط عليهم واتجه إلى السخرية والهجاء كانتقامٍ اجتماعي وقصاص، فكان يُجسِّد عيوب الناس وأخلاقهم في قصائده ويسخر منها، ومن أقواله في الهجاء: “یا سیِّدًا لم یزل فروع .. من رأیه تحتها أصول، أمثلُ عمرٍ یَسُوم مثلي .. خسفًا وأیامُه حول، وجهک یا عمرو فیه طول .. وفي وجوه الکلاب طول”.
ومن مواقفه مع الخلفاء العباسيين أنه كان يرسل إليهم القصائد يمدحهم فيها، إلا أنهم كانوا يردُّون قصائده إليه، فقال فيهم شعرًا يهجوهم:

قد يهمك هذا المقال:   زويل الذي لا نعرفه

“قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ .. أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ،إن أجدنا في مدحِهم حسدونا .. فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ،أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا .. وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ”

وكبراعته في الهجاء كان ابن الرومي بارعًا في الرثاء أيضًا، ومن أشهر ما قاله بعد موت ابنه قصيدة مطلعها:

“بكاؤكما يشفي وإن كان لا يُجدي .. فجودا فقد أودى نظيرُكما عندي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *