سبب نزول سورة الكافرون

سورة الكافرون

سورة الكافرون هي سورة مكية وهي السورة الثامنة عشرة في ترتيب النزول ونزلت بعد سورة الماعون وقبل سورة الفيل، وعدد آياتها ست آيات وتتكون من 28 كلمة و 94 حرفًا، وقد سميّت بسورة الكافرون لأنّ مطلعها تضمّن هذه الكلمة حيث قال تعالى مخاطبًا نبيّه الكريم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}،سورة الكافرون، الآية {1،2} وقيل أيضًا أنّها تُسمّى بسورة الدين لأنّها خُتمت بهذه الكلمة، وتُسمّى أيضًا بالمقشقشة لأنّها تُقشقش الذنوب وتُقشقش من الكفر أي تُبرئ منه وتُزيله، ويُقال لها سورة الإخلاص وذكر البعض اسمًا آخر لها وهو سورة العبادة، وقال ابن عاشور أنّها تُكتب في المصاحف ومعظم كتب التفسير “سورة الكافرون” برفع كلمة الكافرون، إلّا أنّ البعض قد كتبها بالخفض مثل تفسير ابن عطية و الزمخشري في الكشّاف حيث عنونوها بـ “سورة الكافرين” كما عنونها البخاري في الصحيح بـ “سورة قل يا أيها الكافرون”، وقد ذكر مجد الدين الفيروز آبادي عدّة أحاديث تُبيّن فضل وثواب قراءة هذه السورة، وسيبيّن هذا المقال سبب نزول سورة الكافرون.

سبب نزول سورة الكافرون

إنّ سبب النزول هو الحدث والواقعة التي تحصل فينزل على أثرها آيات أو سور من القرآن الكريم، ولكنّ هذا لا ينطبق على جميع آيات القرآن فالكثير من الآيات والسور نزلت ابتداءً بدون وجود حدث معيّن يسبقها، وقد اهتّم أهل العلم ببيان الآيات التي لها سبب نزول من غيرها، ووضعوا مؤلفات خاصّة بهذا العلم، كما أورد المفسرون عند تفسيرهم لآيات القرآن سبب نزول هذه الآيات إن كان لها سبب، ومن هذه الآيات والسور سورة الكافرون، حيث ذكر العلماء والمفسرون أكثر من أثر يُبيّن سبب نزول هذه السورة الكريمة وهو أنّ كفّار قريش عرضوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعبدوا الله عزّ وجلّ ويقبلوا دعوة الرسول ويؤمنوا بنبوته بشرط أن يقوم بعبادة آلهتهم المزعومة وأصنامهم فترة من الزمن، فنزلت سورة الكافرون لتسدّ هذا الباب أمام الكافرين وتقطع كل مفاوضة لا تهدف إلى التوحيد التام والإخلاص المحض لله تعالى، وفيما يأتي بيانٌ لتلك الآثار التي وإن تطرّق الضعف إلى بعض أسانيدها إلّا أنّها تتقوّى بتعاضدها وكثرة طرقها خصوصًا مع عدم اشتمال متونها على نكارة وموافقتها لظاهر القرآن الكريم:

  • روى أهل التفسير والحديث كالطبري في جامع البيان والطبراني في المعجم الصغير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أنّ كفّار قريش قد وعدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعطوه المال حتّى يكون أغنى رجلًا في مكة، ويزوّجوه من أراد من النساء، شريطة أن يكفّ عن شتم آلهتهم ولا يذكرها بسوء، فإذا رفض ذلك فإنّ عندهم خيار آخر يرون فيه صلاح له ولهم، فسألهم رسول الله عن هذا الخيار والحل، فأخبروه أنّهم يريدونه أن يعبد آلهتهم اللات والعُزّى سنة واحدة، ويقومون هم بعبادة الله تعالى في هذه السنة، فقال لهم سأنظر حتى يأتي الوحي، فنزلت سورة الكافرون.
  • روى الطبري بسنده عن سعيد بن مينا مولى البختري: أنّ الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف قد لقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا له: هلّم فلتعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ونشركك في أمرنا كلّه، فإن كان دينك أفضل من ديننا دخلنا فيه، وإن كان العكس فتكون قد شاركتنا في ديننا وأخذت بحظك منه، فنزلت سورة الكافرون وقطعت على الكفّار كل محاولة لزعزعة الدين وتقويض بنيانه.
  • قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب: أنّ قريشًا قالت لرسول الله إن سرّك أن نتبعك عامًا وتكون على ديننا عامًا، فنزلت سورة الكافرون، وقال أيضًا: أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أنّ قريشًا قالت لرسول الله لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك، فأنزل الله تعالى سورة الكافرون.
  • اعتنى العلماء بتفسير الآيات القرآنية والسور وعرضوا لما جاء في أسباب نزولها وقد تمّ بيان سبب نزول سورة الكافرون كما جاء في كتب التفسير وغيرها من مؤلفات أهل العلم ومصنفاتهم، وبالنسبة لتفسير السورة فقد قال الإمام الطبري: أنّ الله تعالى يقول لنبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم وقد كان المشركون من قريش عرضوا عليه عبادة الله سنة، على أن يعبد رسول الله آلهة الكفّار سنة فأنزل الله تعالى سورة الكافرون ردًّا على طلبهم واقتراحهم هذا.
  • الخطاب في بداية السورة بقول الله تعالى “قل” موجّه إلى النبي محمد فيأمره الله أن يخبر المشركين الذين سألوه عبادة آلهتهم سنة ويقوموا هم بعبادة الله الواحد الأحد سنةً كذلك، وهم الكافرون بالله المشركون معه غيره، ضبأنّ نبي الله لا يعبد آلهتهم من الأوثان والأصنام في الوقت الحاضر، وهذا تفسير قوله تعالى: “لا أعبد ما تعبدون”، وكذلك الأمر فهؤلاء الكفّار لا يعبدون الله تعالى آنذاك، حيث قال تعالى: “ولا أنتم عابدون ما أعبد”، ثمّ يأتي التوكيد بأنّ رسول الله لن يعبد أصنامهم وآلهتهم التي عبدوها في الماضي، حيث قال تعالى: “ولا أنا عابدٌ ما عبدتم”.
  • ثمّ تأتي الآيات لتقطع كل شك وتُبيّن حال رسول الله في مقابل حالهم في المستقبل، فيقول تعالى: “ولا أنتم عابدون ما أعبد”، أي أنّ هؤلاء الكفّار المقصودون بالخطاب لن يعبدوا في المستقبل إله النبي محمد الذي يعبده في الحاضر والمستقبل، وقد جاءت هذه الآيات بصيغة الجزم لأنّ الله تعالى يعلم بأنّ المعنيين بهذا الخطاب من أعيان المشركين لن يؤمنوا في المستقبل، فقطع عليهم كل أمل بدخول رسول الله بدينهم، وأعلم رسوله الكريم بانقطاع الأمل في استجابتهم لدعوته ودخولهم في دين الله تعالى، وقد قُتل بعضهم في يوم بدر، ومات آخرون على كفرهم وشركهم، ولم يفلحوا أبدًا وهذه عاقبة الكفر والضلال وسنّة الله في المعاندين المتكبّرين.
قد يهمك هذا المقال:   حروف المد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *