بحث عن قواعد التفسير

مفهوم القاعدة في اللغة والاصطلاح

علم القواعد عموماً من العلوم التي ينبغي معرفتها للمشتغل بعلوم القرآن وعلم أصول الفقه، خاصةً القواعد المتعلقة فهي لم تحظ بالعناية المطلوبة، وفيما يلي يتم إلقاء الضوء على أهم قواعد التفسير، ولا بدّ في البداية من التعرف على معنى القاعدة في اللغة والاصطلاح.

القاعدة في اللغة

القاعدة هي: أصل الشيء والقواعد الأساس، كقواعد البيت، كما قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)سورة البقرة: الآية 127. ابن منظور ، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى(3/ 357).

القاعدة في الاصطلاح

هي: الأحكام الكُليّة التي بها يُتوصل إلى استنباط معاني القرآن العظيم، ومعرفة كيفية الاستفادة منها، ومعرفة الراجح مما فيه خلاف. د/ خالد بن عثمان السبت، القواعد والأصول وتطبيقات التدبر، الناشر: دار الحضارة للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1437 هـ – 2016م(ص: 65).
وقيل القواعد هي: الأمور الكلية المنضبطة التي يستخدمها المُفسر في تفسيره، ويكون استخدامه لها إما ابتداءً، ويبني عليها فائدة في التفسير، أو ترجيحاً بين الأقوال. د / مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، فصول في أصول التفسير، تقديم: د. محمد بن صالح الفوزان، الناشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: الثانية، 1423هـ(ص: 118)

قواعد التفسير

القواعد العامة

المراد بالقواعد: تلك التي يتم استعمالها من قِبل المُفسر عندما يشرع في تفسير آية من كتاب الله ومن هذه القواعد: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، تفسير القرآن العظيم، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999م (7/ 278).

  • قول الصحابة مقدم على غيرهم في التفسير؛ ذلك لأن الصحابة أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي من أجله تنزلت آيات القرآن، وما الذي أريد به. ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)سورة الأحقاف: الآية 10. د . مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، فصول في أصول التفسير، تقديم: د. محمد بن صالح الفوزان، الناشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: الثانية، 1423هـ ( ص: 119). أي: فآمن هذا الشاهد المُشار إليه بنبيه وكتابه، ولكنكم كفرتم أنتم بنبيكم وكفرتم بكتابكم وهذا الشاهد في الآيات اسم جنسٍ يَعم عبد الله بن سلام وغيره فإنّ هذه الآية الكريمة مكيّة نزلت قبل أن يُسلم عبد الله بن سلام. وهذه كقوله: (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنّه الحقُ من ربنا إنّا كنا من قبله مسلمين)سورة القصص: الآية 53 وقال تعالى: (إنّ الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا)سورة الإسراء: الآيات 107-108، وذهب مسروق، والشعبي إلى أنّه: ليس المقصود عبد الله بن سلام؛ لأن هذه الآية مكيّة، وعبد الله بن سلام أسلم . وقد روى ذلك عنهما ابن جرير ومعه ابن أبي حاتم، وقد اختاره ابن جرير.
قد يهمك هذا المقال:   سبب نزول سورة القلم

قواعد لغوية

وهي تلك القواعد التي تُعنى بمُراعاة الجوانب اللّغوية في ومنها: عبد الله بن يوسف بن عيسى بن يعقوب اليعقوب الجديع العنزي، المقدمات الأساسية في علوم القرآن، الناشر: مركز البحوث الإسلامية ليدز – بريطانيا، الطبعة: الأولى، 1422 هـ – 2001 م (ص: 404).

  • اتّباع معنى الكلمة القرآنيّة، فقد يستعمل اللّفظ الواحد في المعاني المتعدّدة، كألفاظ (الهدى) و(الإيمان) و(الكفر) و(العفو)، فقد استعمل كلّ منها في القرآن في أكثر من معنى. ولمعرفة المعنى المُراد يجب تتبّع اللّفظة في مواردها في القرآن نفسه، فإنّ أحسن الطّرق في التّفسير: أن يفسّر القرآن بالقرآن، وهذا منه. عبد الله بن يوسف بن عيسى بن يعقوب اليعقوب الجديع العنزي، المقدمات الأساسية في علوم القرآن، الناشر: مركز البحوث الإسلامية ليدز – بريطانيا، الطبعة: الأولى، 1422 هـ – 2001 م(ص: 404).
  • لا يوجد في القرآن الكريم ألفاظ مترادفة، فالتّرادف في القرآن الكريم غير موجود، إذ أن من قال بوجوده فيه لم يذكر له مثالاً صالحاً، إنّما ذكر مثل قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)سورة المائدة: الآية 48، (ولا تُبْقِي وَلا تَذَرُ)سورة المدثر: الآية 28 28 (وأَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا)سورة الأحزاب: الآية 67 و(بَثِّي وَحُزْنِي)سورة يوسف: الآية 86.

وليس في هذا ترادف؛ فالألفاظ هنا ليست بنفس المعنى، كما أن كل لفظين معطوفين، والأصل أنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. والقرآن الكريم وإن كثر فيه استعمال الألفاظ المتقاربة المعاني، مثل:(الخوف) و(الخشية)، (الخشوع) و(الخضوع)، إلا أنّها لم تأتي على سبيل التّرادف، وإنّما جاء كل لفظ مستقلّا عن الآخر.

القواعد المتعلقة بأسباب النزول

  • إذا تعددت المرويات في سبب النزول اقتصر على الصحيح، وقد نهج ابن عاشور هنا منهجاً يعتمد على التمحيص والمناقشة والترجيح، فيجمع أسباب النزول المختلفة في الآية الواحدة، ويرجح أقربها للصواب، ويعلل رده للروايات الأخرى. ومن ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون).سورة الأنعام الآية 108
قد يهمك هذا المقال:   سبب نزول سورة الروم

وذهب ابن عاشور إلى أنّ: المخاطب بهذا الخطاب بالنهي المسلمون لا الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وذلك لأن لم يكن فاحشاً ولا مُتفحشاً ولا سباباً؛ لأن خلقه العظيم كان حائلاً بينه وبين السبّ والفحش، ولأنه كان يدعو الناس بما ينزل عليه من آيات القرآن الكريم فإذا شاء الله أن يتركه من وحيه الذي يوحي به إليه، وإنّما كان المسلمون بسبب غيرتهم على دين الله ربما تجاوزوا الحد فوقع منهم بعض التفريط فسبُوا أصنام المشركين.عبير بنت عبد الله النعيم، قواعد الترجيح المتعلقة بالنص عند ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير – دراسة تأصيلية تطبيقية، تقديم: أ. د. فهد بن عبد الرحمن الرومي، أصل الكتاب: أطروحة دكتوراه، الناشر: دار التدمرية، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1436 هـ – 2015 م(ص: 141). وأما ما روى عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه لما نزل قوله تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون)سورة الأنبياء: الآية 98 قال المشركون: لئن لم تنته عن سب آلهتنا وشتمها لنهجون إلهك، فنزلت هذه الآية في ذلك، فهو ضعيف؛ لأن علي بن أبي طلحة ضعيف وله منكرات ولم يلق ابن عباس.محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م(15/ 467/18535).

القواعد المتعلقة بالسنة والآثار

  • متى صح الحديث وكان تفسيراً لآية من الآيات فلا نتركه ونذهب إلى غيره، ومنه ما جاء في قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم).سورة يس: الآية 38
قد يهمك هذا المقال:   تفسير سورة الفاتحة

تنازع القواعد

إذا تنازعت القواعد في المثال الواحد؛ بحيث صار لكل قول قاعدة ترجحه فإن المعتبر به غلبة ظن المجتهد كما أشار الزركشي بأن التراجيح كثيرة، ومناط هذه التراجيح ما كان منها مفيداً للظن أكثر فهو الأرجح، وربما تتعارض المُرجحات وذلك كما في كثرة الرواة للرواية الواحدة وقوة العدالة للراوي أو مجموع الرواة وغيره، فيعتمد المجتهد على ما يغلب على ظنه في هذا السياق.
وقد ذهب الشنقيطي إلى أنّ المرجحات يرجع البعض منها على غيرها من المرجحات؛ وضابط ذلك في الترجيح عند الأصوليين راجعٌ إلى قوة الظن لدى المجتهد.

والمثال على ذلك يمكن ملاحظته من خلال قوله تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم)،سورة النساء: الآية 22 فقد ورد في هذه الآية قولان:

  • القول الأول: ولا تنكحوا من النساء من نكح آباؤكم؛ فمنكوحة الأب وزوجته التي دخل بها حرامٌ على ابنه نكاحها ولفظ “ما” هنا في الآية بمعنى الذي أو التي، ويدل على ذلك سبب نزول هذه الآية؛ حيث نزلت في قيس بن صيفي بن الأسلت حينما خطب امرأة أبيه وأراد أن ينكحها فأنزل الله هذه الآية.
  • القول الثاني: ذهبوا إلى أن المُراد هنا ولا تنكِحوا نِكاح آبائِكم الفاسد الذي يتعاملون به ويتعاطونه في الجاهلية، و قالوا بأن “ما” هنا هي ما المصدرية؛ لأنها لا تستخدم إلا مع غير العاقل على الأغلب، والقاعدة على: وجوب أن يُحمل كلام الله تعالى على المعروف الذي اشتُهر وعُرف من كلام العرب.

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *