سيرة صلاح الدين الايوبي

سيرة صلاح الدين الأيوبي

تُعتبر سيرة واحدة من أعظم سير القادة في التاريخ الإسلامي عبر العصور، لما تزخر به من أعمال عظيمة، وقيم رفيعة، وحِكم وعِبر كثيرة، لأنها تضم في ثناياها سيرة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، الذي يشهد له القاصي والداني بأعماله وشيمه وأخلاقه الرفيعة والعظيمة، وتمثيله بأحسن صورة أمام العالم كله، وكذلك ما عُرف عنه بشجاعته وحنكته العسكرية والسياسية الفذّة.

من هو صلاح الدين الأيوبي

هو يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني التكريتي، ويكنى بأبي المظفر، والملك الناصر، وصلاح الدين الأيوبي، ولد في تكريت عام 532 هجري، لأب وأم من قرية دوين شرقي أذربيجان، إذ ينحدر من نسل غير عربي، فهو كردي الأصل، وقد نشأ في مدينة عندما تولى أبوه أعمالاً في دمشق وبغداد والموصل بعد وفاة جده في تكريت، وقد غادر أهله مدينة تكريت يوم ولادته، وكان يعرف عن صلاح الدين الأيوبي بأنه شجاع قوي، وزهيد جداً في الدنيا، ومحب للجهاد في سبيل الله تعالى.

وقد خدم صلاح الدين الأيوبي السلطان نور الدين زنكي في دمشق وحلب والموصل، بصحبة عمه أسد الدين شيركوه، الذي شاركه في حملة التي أرسلها الوالي نور الدين زنكي عام 559 هجري وانتصر فيها على الفاطميين، وكان عمره 31 عاماً آنذاك، وولي عليها من بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه الذي لم يلبث في سدة الحكم طويلاً، وقد ظهرت في تلك الفترة بوادر القائد العسكري والسياسي الذي سيحمل على عاتقيه مستقبل الأمة الإسلامية فيما بعد، كما يعد الناصر صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية الإسلامية، بعد أن أنهى حكم الفاطميين في مصر، ووحد المسلمين تحت راية الخلافة العباسية.

قد يهمك هذا المقال:   السياحة في الفلبين

تاريخ صلاح الدين وجهاده

عندما تولى صلاح الدين ولاية مصر، قام بتأسيس المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية لتدريس أهل مصر علوم والسنة بعد انتهاء عصر في مصر، وأمر بتغيير خطبة الجمعة وجعلها باسم الخليفة العباسي بعد أن كانت باسم الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، وفي عام 583 هجري بدأ عصر صلاح الدين العسكري، فقام بفتح طبرية، ومدينة عسقلان في فلسطين، ومن ثم قاد صلاح الدين الأيوبي جيوش المسلمين في التي أنهت الوجود العسكري للصليبيين آنذاك في بلاد الشام، وكان تعداد جيوش الصليبيين يقدر بأربعين ألفاً من المحاربين، وانتصر عليهم وهزمهم شر هزيمة وبذلك سطرت أول ملحمة تاريخية بماء الذهب في سيرة صلاح الدين الأيوبي، وسار بعد ذلك بجيشه إلى بيروت، وكوكب ففتحهما بإذن وتوفيق ونصر من الله تعالى.

تحرير بيت المقدس

ولم يهدأ بال، ولم ينقطع عن التفكير ببيت المقدس (القدس)، بعد أن ظلت هي المدينة الوحيدة التي تتبع سياسياً للحكم الصليبي في بلاد الشام، فبدأ بتجهيز العتاد والعدة، وسار على رأس جيوش المسلمين عام 583 هجري إلى بيت المقدس فاتحاً، وكتب الله له النصر في بيت المقدس، وتسلم زمام الأمور فيها، وبنى العديد من المدارس، والمستشفيات، والبيوت، وأنهى وجود الصلييبين تماماً في القدس، وكان مما قاله لجيشه عندما فتحت بيت المقدس على أيديهم:” فطوبى لكم من جيش! ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية، والعزمات الصديقية، والفتوحات العمرية، والجيوش العثمانية، والفتكات العلوية. جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجزاكم الله عن نبيكم”.

تحرير عكا وحصارها لاحقاً

وفي نفس العام سار صلاح الدين الأيوبي إلى مدينة عكا الساحلية في فلسطين، ونصره الله فيها أيضاً لكن الصليبيين لم يهدأ لهم بال أبداً بعد فتح صلاح الدين لعكا، فأخذو يبعثون الحملات العسكرية الضخمة واحدة تلو الأخرى، حتى يستردوا ملكهم في عكا، وحاصروا المدينة حصاراً شديداً استمر لأكثر من 20 شهراً، انتهى عام 587 هجري، عندما اتفق صلاح الدين الأيوبي مع قائد الصليبيين آنذاك ريتشارد قلب الأسد، واسترد الصليبيون عكا ويافا، وبقيت عسقلان للمسلمين، ومن بعدها غادر صلاح الدين الأيوبي القدس ورجع إلى دمشق ومكث فيها إلى أن توفاه الله فيها.

قد يهمك هذا المقال:   تاريخ الخلفاء للسيوطي

حياته ووفاته

كان السلطان صلاح الدين زاهداً في حياته، وملبسه، ومأكله، ومشربه، وبعيداً عن ملذات الدنيا ومفاتنها من بعد أن أعطاه الله الملك، وووحد الأمة الإسلامية على يديه، وكان أينما حل في بلاد المسلمين بنى المدارس، والأسوار، والخنادق، ومراكز علاج للمسلمين، وكان الناصر صلاح الدين الأيوبي محباً لمجالسة أهل الذكر والعلم، ويحسن الاستماع إليهم ويشاركهم ويتعلم منهم، وكان همه الأكبر هو توحيد بلاد المسلمين عن طريق الجهاد في سبيل الله تعالى، وكان المسلمون في كل مكان يحط صلاح الدين الأيوبي رحاله فيه يرحبون به بشدة ويستبشرون به خيراً لهم وللأمة الإسلامية، فقد أعطاه الله ما لم يعط أحداً من عباده في ذلك الزمان، وجعل وحدة المسلمين والأمة الإسلامية على يده في وقت قصير جداً. هذا وقد حكم صلاح الدين الأيوبي مصر 24 سنة، وسورية 19 عاماً، وأنجب من الذكور سبعة عشر ذكراً، وأنثى واحدة.

في عام 589 هجري، كتب آخر فصل من فصول سيرة صلاح الدين الأيوبي، أحد أعظم رجالات الإسلام، وأحد أعظم القادة السياسيين والعسكريين، عندما توفاه الله تعالي في قلعة دمشق بعد أن اشتد عليه المرض، وكان عمره حين توفاه الله سبعة وخمسون عاماً، قضاها في الدفاع عن الإسلام، والسعي إلى رفعته، ووحدة الأمة الإسلامية، وإعلاء كلمة الله تعالى في شتى بقاع الأرض، وقد حزن عليه المسلمين في ذلك الوقت كما لم يحزنوا من قبل، فقد فارقوا واحداً من أعلام الإسلام التي لن يأتي مثلها أبداً في التاريخ الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *