قصة سورة البقرة

من القصص الفريدة والتي تعلمنا الكثير من الأمور المهمة، أهمها أن يمتثل الإنسان لأوامر الله، دون جدل في الأمور الثابتة من الدين، فنحن مأمورون بطاعة جميع أوامر الله كما أنزلت؛ لأن الله عز وجل أعلم بما هو أنفع للإنسان، وما فيه الخير له في حياته كلها، فهو من خلقنا وهو العالم بتدبير شؤوننا.

كما تعلمنا أن لا بد وأن يدفع ثمن أفعاله بحسب نوعها، فمن فعل الخير وسعى إليه، لا بد وأن يأتي الوقت الذي يحصد فيه نتيجة سعيه ذلك، ومن هم بفعل أمر من الأمور التي نهى الله عنها، لا بد وأن يأتي الوقت الذي يدفع فيه ثمن أفعاله تلك، حتى وإن تأخر موعدها، فإن ربك لبالمرصاد ولا بد وأن يحاسب كل فرد بما فعل، وأن يكشف الأسرار مهما طال غموضها.

قصة سورة البقرة

كان في عهد كليم الله موسى عليه السلام، رجل من بني إسرائيل يعرف بشدة ثرائه الفاحش؛ ولكن هذا الرجل رغم كل ما آتاه الله من مال وفير، لم يكن له بنون يرثون تلك النعم كلها التي رزقه الله بها، كان لهذا الرجل أبناء أخ له، وهؤلاء الأبناء لم يكونوا يملكون المال؛ بل كانوا شديدي الفقر والحاجة؛ لذلك كانوا يأملون بعد وفاة عمهم الغني أنهم سوف يحصلون على تلك الأموال الكثيرة كلها التي يملكها، ويصبحون أغنياء، ولذلك فقد كانوا ينتظرون موته على أحر من الجمر، حتى تتحقق أمنيتهم تلك، ولكن عمهم رغم كبر سنه الشديد لم يمت بل مرت عليه الأعوام الطويلة وهو من المعمرين، ومن أصحاب العمر المديد حتى طال انتظارهم بشدة وفقدوا الأمل في وفاته.

قد يهمك هذا المقال:   سبب نزول سورة الجمعة

تدبير الأخوة لقتل عمهم

اجتمع الأخوة للحديث في أمر عمهم هذا، حتى يجدوا الحل الذي يمكنهم من الحصول على ماله؛ ولذلك فقد فكروا في قتله حتى تُحل مشكلتهم؛ ولكن أحد الأخوة رفض اقتراحهم هذا وأخبرهم أنهم إذا قتلوا عمهم فسوف يعلم الناس بذلك، لأنه لا مصلحة لأحد في قتل الرجل سوى أبناء أخيه حتى يحصلوا على الورث، وهنا نطق أحدهم أنه قد وجد حلًا لإبعاد الشبهة عنهم، وهو أن يلصقوا تهمة قتل عمهم لقوم غيرهم، ولكي يحبكوا قصتهم المزعومة سيطلبون القصاص من قتلة عمهم.

وبالفعل نفَّذ الأخوة قساة القلب مهمتهم في قتل عمهم، وألصقوا التهمة بغيرهم من القبائل المجاورة لصرف نظر الناس عنهم، ولم يكتفوا بذلك بل طلبوا بالثأر من هؤلاء القوم بسبب ما فعلوه، وكاد هذا الأمر أن يتسبب في فتنة عظيمة بين القبيلتين، وفي إشعال نار حرب لا تنطفئ، ينتج عنها سيلٌ من الدماء؛ لذلك ذهبوا إلى نبي الله موسى ليطلبوا حكمته، حتى لا تتحقق تلك الحرب التي سوف تتسبب في الكثير من الخسائر الفادحة في الأرواح.

نبي الله يأمر بذبح بقرة

بعد أن سمع قصتهم تلك، هداهم لحل واحد يتم عن طريقه التخلص التام من تلك المشكلة الكبيرة، وكان هذا الحل هو أن يذبحوا بقرة، ولكن القوم تعجبوا من طلبه هذا وعدُّوه من باب الاستهزاء بهم من كليم الله، {وَإِذْ قَـالَ مُوسَـى لِـقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَـأْمُرُكُمْ أَنْ تَـذْبَحُوا بَقَرَةً قَـالُوا أَتَتَّخِذُنَـا هُـزُوًا قَالَ أَعُـوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُـونَ مِنَ الْـجَاهِلِينَ} البقرة: 67.

ورغم محاولات أن يثبت لقومه أن هذا ليس من وحي كلامه وإنما هو أمر من الله عز وجل، إلا إن بني إسرائيل كعادتهم دائمًا، يماطلون في تنفيذ أوامر الله ويشككون بها ولا يستطيعون تصديقها.

قد يهمك هذا المقال:   سبب نزول سورة الفتح

أسئلة تعجيزية للتضييق على أنفسهم

رغم أن نبي الله لم يأمرهم سوى بذبح إحدى البقرات العادية والموجودة بينهم؛ إلا إن أطالوا المماطلة في تنفيذهم لأمر ربهم وظلوا يسألونه عن شكلها تارة وعن لونها تارةً أخرى، وليس ذلك فقط بل سألوه عن بعض الصفات التي كانت تزيد من تضييق الخناق عليهم، وكأنهم يريدون إرهاق أنفسهم بأيديهم، فلو ذبحوا أي بقرة عادية لكانوا قد انتهوا من المشكلة على الفور، ولكنهم صعبوا الأمر على أنفسهم فزاد الله من تصعيبه عليهم؛ لذلك بحثوا في كل مكان عن تلك البقرة صعبة الصفات، حتى وجدوها عند أحد الرجال، ولكن هذا الرجل طلب منهم ما هو أشد من ذلك فقد غالى في ثمنها وأمرهم أن يعطوه بوزنها ذهب، ولم يكن أمام القوم سوى الموافقة على طلبه هذا فوزنوا البقرة وأعطوه بوزنها ذهبًا، بسبب حاجتهم الشديدة لحل تلك المشكلة المعضلة.

كشف أمر الأخوة في قتلهم لعمهم

ذبح بنو إسرائيل البقرة وبعد ذبحها أخذوا بعض أجزاء تلك البقرة وهو ذيلها وضربوا بها القتيل، فقام القتيل على الفور من سباته، وأخبرهم بأن من قتله هم أبناء أخيه، وبذلك حلت المشكلة من جذورها وانكشف أمر الفاسدين بأمر الله، وأزيح ظلام الظلم عن القوم الآخرين.
قال الله تعالى:

وَإِذْ قَـالَ مُوسَـى لِقَوْمِـهِ إِنَّ اللَّهَ يَـأْمُرُكُمْ أَنْ تَـذْبَحُوا بَقَـرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَـا هُـزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِـاللَّهِ أَنْ أَكُـونَ مِنَ الْجَـاهِلِينَ قَـالُوا ادْعُ لَـنَا رَبَّـكَ يُـبَيِّنْ لَنَا مَـا هِيَ قَـالَ إِنَّهُ يَـقُـولُ إِنَّـهَا بَـقَرَةٌ لَا فَـارِضٌ وَلَا بِـكْرٌ عَـوَانٌ بَيْنَ ذَلِـكَ فَافْعَلُوا مَا تُـؤْمَرُونَ قَالُـوا ادْعُ لَنَـا رَبَّــكَ يُبَيِّـنْ لَنَـا مَـا لَــوْنُهَا قَالَ إِنَّـهُ يَقُـولُ إِنَّـهَا بَقَرَةٌ صَفْـرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَـا تَسُرُّ الـنَّاظِرِينَ قَـالُوا ادْعُ لَنَــا رَبَّـكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَـا هِيَ إِنَّ الْبَقَــرَ تَشَابَـهَ عَـلَيْنَا وَإِنَّـا إِنْ شَـاءَ اللَّهُ لَــمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّـهُ يَقُـولُ إِنَّهَا بَقَـرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيـرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِـي الْحَـرْثَ مُـسَلَّمَةٌ لَا شِيَـةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِـئْتَ بِالْـحَقِّ فَـذَبَحُوهَا وَمَا كَـادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَـتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَـا وَاللَّهُ مُـخْرِجٌ مَا كُـنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْـرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَـذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْـمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَـاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُـونَ

البقرة: 67-73

قد يهمك هذا المقال:   بحث عن علم التفسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *