أسباب النزول
يعتبر علم من أهم ، والذي اعتنى به علماء المسلمين في القديم والحديث، وليس أدل على اهتمامهم بهذا العلم من كثرة مؤلفاتهم ومصنفاتهم في هذا العلم، والجهود المبذولة في تدوينه، ويُعرّف علم أسباب النزول بأنّه: العلم الذي يذكر كل ما يتعلق بنصوص الآيات القرآنية؛ من الحوادث، والقضايا، الزمانية والمكانية، التي صاحبت نزول القرآن الكريم، وقد ذكر العلماء رحمهم الله فوائد عظيمة لهذا العلم، ومن هذه الفوائد؛ أنّه يعين قارئ كتاب الله على فهمه الفهم الصحيح، ويُيسر حفظه ويُثبّت معناه، وذلك لما فيه من ربط الأحكام بالحوادث والأشخاص، والأمكنة والأزمنة.
التعريف بسورتي الفلق والناس
سورتي الفلق وسورة الناس سورتان اختلف العلماء في مكيتهما ومدنيتهما؛ فقال الحسن، وعطاء وعكرمة، وجابر أنهما سورتان مكيتان، وقال ابن عباس رضي الله عنه، في رواية، وقتادة، وجماعة من أهل العلم، أنهما سورتان مدنيتان، وقد سميت سورة الفلق، بهذا الاسم لافتتاحها بقول الله سبحانه وتعالى: (قل أعوذ برب الفلق)سورة الفلق، آية(1)، والفلق يشمل كل ما انفلق من النوى، والحب، والنبات، وعيون الماء، والمطر عن السحاب، وغيره، وسميت سورة الناس بهذا؛ لافتتاحها بقول الله سبحانه وتعالى: (قل أعوذ برب الناس)،سورة الناس آية(1) وتعتبر سورة الناس آخر سورة في ترتيب المصحف الشريف.
وقد تضمنت كل من سورة الفلق وسورة الناس الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى، والالتجاء إليه، من شر المخلوقات، وخصوصاً ظلمة الليل، ومن شر الحسدة، و، ومن شر الشيطان ووساوسه، والاعتصام بقدرته سبحانه وتعالى، من جميع الشرور.كتاب التفسير المنير ، تأليف الدكتور وهبه الزحيلي، الجزء(30)، الصفحة(469)، بتصرف كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، تأليف: جعفر شرف الدين، الجزء(12) صفحة(325) بتصرف
سبب نزول سورتي الفلق والناس
ذكر الإمام البيهقي رحمه الله تعالى، في كتابه دلائل النبوة، رواية تتعلق بسبب نزول كل من سورتي الفلق والناس، وجاء فيها؛ أنّ صلى الله عليه وسلم، مرض مرضاً شديداً، فجاءه اثنين من الملائكة، ليداوياه، فجلس الأول عند رأسه، وجلس الآخر عند رجليه -صلى الله عليه وسلم- فسأل الملك الذي عند رجليه، الملك الذي عند رأسه، ماذا يرى؟، فقال له: طب، والمراد بالطب هو السحر، وأخبره بأنّ الذي سحره رجل من اليهود يدعى لبيد بن الأعصم اليهودي، وأنّ السحر موجود في بئر آل فلان، تحت صخرة فيه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته رضوان الله عليهم، وأرسل عمار بن ياسر رضي الله عنه مع عدد من الصحابة، فذهبوا إلى ذلك البئر، وأخلوا ماءه، فوجدوه كالحناء ورفعوا تلك الصخرة، فوجدوا السحر، فأحرقوه، وقد كان في هذا السحر وتر معقود أحد عشرة عقدة، فنزلت سورتا الفلق والناس، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما يقرأ آية من هاتين السورتين، تنحل عقدة من هذه العقد إلى أن فُكّ السحر كله، وقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقال: (مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا شديدا فأتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما ترى؟ قال: طب، قال: وما طب؟ قال: سحر قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: أين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في كرية، فأتوا الركية فانزحوا ماءها وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكرية واحرقوها، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر في نفر، فأتوا الركية فإذا ماؤها مثل ماء ، فنزحوا الماء ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الكرية وأحرقوها فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة: (قل أعوذ برب الفلق)، (قل أعوذ برب الناس))
الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: السيوطي، المصدر: لباب النقول الصفحة أو الرقم: 347، خلاصة حكم المحدث: لأصله شاهد في الصحيح بدون نزول السورتين وله شاهد بنزولهما كتاب: دلائل النبوة، المؤلف: الإمام البيهقي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى – 1408 هـ – 1988 م، الجزء(6)، الصفحة(248)، بتصرف.
فقه الأحكام في سورتي الفلق والناس
تضمن كل من سورة الفلق وسورة الناس العديد من الأحكام، التي تهم المسلم في حياته، ومن الأمور التي تضمنتها ما يلي:كتاب التفسير المنير، تأليف الدكتور وهبه الزحيلي، الجزء (30) ، الصفحة (474-478)بتصرف.
- تدل سورة الفلق على تعليم الناس كيفية الاستعاذة بما في الدنيا والآخرة من شرور؛ من شر الجن، ومن شر الإنس، ومن شر هوام الأرض وسباعها، ومن شر الذنوب والمعاصي، ومن شر سائر المخلوقات.
- ليس هناك أي مانع يمنع من نزول سورة من ليستعيذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتنافى مع النص القرآني.
- خصص الله سبحانه وتعالى في سورة الفلق إرشاد العباد، وتعليمهم الاستعاذة من ثلاثة أصناف؛ من الليل إذا حلّ ظلامه، ومن الساحرات اللواتي ينفثن في العقد، ومن الحاسد الذي يحسد غيره، ويتمنى زوال النعمة عن الغير.
- إجازة كثير من العلماء الاستعانة بالرقية؛ وذلك لأنّ جبريل عليه السلام رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اشتكى.
فضل سورتي الفلق والناس
لسورتي الفلق والناس آثار جليلة، وفوائد عظيمة؛ فهما المعروفتان بالمعوذتين، وقد بينت نصوص السنة النبوية عدداً من الفضائل لهما، ومن هذه الفضائل ما يلي:كتاب عظمة القرآن وتعظيمه وأثره في النفوس، تأليف: د. سعيد بن وهف القحطاني، صفحة (59) بتصرف.
- سورة الفلق وسورة الناس (المعوذتان) لم يُرَ مثلهن كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم تر آياتٍ أُنْزِلَتِ الليلةَ لم يُرَ مثلهن قط؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ النَّاسِ)الراوي: عقبة بن عامر، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 814، خلاصة حكم المحدث: صحيح، فسورتا الفلق والناس فيهما من المعاني والبركات، وفيهما ذكر للتعوذ والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
- ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يأخذ بالمعوذتين، ويتعوذ بهما من الجان وعين الإنسان.
- ما تعوذ عبد بمثل ما تعوّذ بهما، فعن الصحابي الجليل عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: (بينا أنا أَسِيرُ مع رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – بين الجُحْفَةِ والأَبْواءِ؛ إذ غَشِيَتْنا رِيحٌ وظُلْمَةٌ شديدةٌ، فجعل رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يَتَعَوَّذُ بـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )، و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقولُ: يا عُقْبَةُ ! تَعَوَّذْ بِهِما؛ فما تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بمِثْلِهِما)الراوي: عقبة بن عامر، المحدث: الألباني، المصدر: تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 2103، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح لغيره .
المراجع