فتح الأندلس
منذ عصر ، بدأت التوسعات و في كل اتجاه؛ فنجد حملات متجهة نحو بلاد المشرق، وغيرها متجهة نحو المغرب العربي، كما راودت الخلفاء فكرة عبور البحر والتوجه نحو جنوب ، إلا أن تلك الفكرة لم يبدأ تنفيذها إلا في العصر الأموي، فقد اتجهت أولى الحملات الحربية نحو الأندلس عام 92هـ، وكان قائدها طارق بن زياد الذي يتبع القائد موسى بن نصير، وكانت أولى المناطق التي وصل إليها هو المضيق الذي يُطلَق عليه اسمه.
استمرت الحملات منذ ذلك الوقت وحتى عام 107هـ، فقد كانت الجيوش الإسلامية تتواجه في كل معركة مع القوط الغربيين، حتى تمكنوا من السيطرة على جميع أجزاء الأندلس، التي بقيت تحت حكم الخلافة الأموية حتى عام 422هـ.
الدولة الأموية في الأندلس
بعد سقوط مدينة دمشق في أيدي سنة 132هـ، خرج الأمراء الأمويون خارج العراق، واتجه كلٌّ منهم في ناحيةٍ للبعد عن بطش العباسيين آنذاك، ومنهم من اتجه إلى بلاد الأندلس بحكم بعدها عن الوجود العباسي ، وكان من هؤلاء الأمراء عبد الرحمن بن معاوية الأموي (عبد الرحمن الداخل)؛ فقد وقع اختياره على لتكون نواةً لتأسيس الدولة الأموية من جديد، ولكنه اكتفى في البداية بجعلها إمارةً مستقلة لا تتبع الدولة العباسية، وكان هو أول أمرائها، وقد اختار مدينة قرطبة عاصمةً للإمارة سنة 138هـ.
تناوب على حكم إمارة الكثير من الخلفاء، إلى أن جاء الأمير عبد الرحمن الناصر لدين الله سنة 316هـ، ليُحوَّل لقبه من أمير قرطبة إلى خليفة قرطبة؛ فقد أعلن عن قيام الخلافة الأموية للمرة الثانية ولكن في الأندلس بدلًا من العراق، وقد استفتى في ذلك فقهاء السنة، فنظام الخلافة لا يجيز تعدُّد الحكام، ولكن مع وجود خطر حقيقي على الدولة الإسلامية متمثلًا في المد الشيعي للدولة الفاطمية، خصوصًا مع ضعف خلفاء بني العباس، أجاز الفقهاء وجود حاكمين للدولة مع وجود فارق المسافة الذي يمنع المواجهة بينهم.
ظلت قائمةً في الأندلس منذ عام 316هـ وحتى عام 422هـ؛ إذ واجهت الخلافة مرحلةً من التدهور السياسي على الجانبين الداخلي والخارجي، خصوصًا مع ضعف خلفاء بني أمية وتنازعهم على الخلافة.
آثار المسلمين الباقية في الأندلس
منذ أن فتح المسلمون الأندلس سنة 107هـ بدأوا في تحويلها إلى إمارة إسلامية، فبدأوا ببناء المساجد وعمارة المباني على الطراز الإسلامي، ومع بقاء المسلمين بالأندلس ما يقرب من 800 سنة، جعلوا منها بلدًا إسلاميًّا بالكامل؛ فقد بقي المسلمون بها حتى عام 897هـ، وانتهى وجودهم بسقوط آخر المدن الإسلامية، وهي غرناطة.
وبطول مدة المكوث بها، كانت الأندلس البلد الأكثر تميزًا في البلاد الإسلامية؛ فقد تنوعت بها مظاهر الحضارة الإسلامية، كما تنوعت بها العرقيات والأجناس، فكان المسلمون بها خليطًا من بني العرب والبربر والغرب، ما جعلهم قادرين على إنشاء حضارة مختلفة، ومن أبرز آثار المسلمين الباقية في الأندلس ما يلي:
المساجد
منذ قدوم المسلمين إلى مدن الأندلس، اهتموا بتشييد المساجد، وبنوا الكثير من المساجد الكبيرة التي لا تزال باقيةً حتى اليوم، كما حولوا بعض الكنائس إلى مساجد، وهذه المساجد حُوِّلت فيما بعد إلى كنائس مرةً أخرى.
- مسجد قرطبة: أُقيم مسجد قرطبة على كنسية كبيرة قديمة، وبدأ إنشائه عام 92 هـ، وتقاسم المسلمون والروم الكنسية لكلٍّ منهما النصف، وفي عهد عبد الرحمن الداخل اشترى النصف الثاني ليُحوِّل المكان بالكامل إلى مسجد، حتى يسع أعداد المصلين مع الزيادة المستمرة في أعداد المسلمين بالأندلس، وأدخل عليه مساحاتٍ إضافية ليصبح على مساحة شاسعة. وبعد خروج المسلمين تحول المسجد إلى كنيسة، وتحولت الساحة المحيطة به إلى مبانٍ تابعة لها، ليصبح اليوم مجمع كاتدرائية يُطلَق عليها سيدة الانتقال.
- المسجد الجامع “كاتدرائية إشبيلية”: تم بناء مئذنة المسجد سنة 591هـ، وبعد خروج المسلمين من الأندلس تحول الجامع إلى كنيسة قوطية، والكنيسة مقامة على مساحة شاسعة، وهي تُعدُّ من أكبر الكاتدرائيات التي أُقيمت في فترة العصور الوسطى.
- مسجد ترنرياس: بُني هذا المسجد في عهد أمراء طليطلة، وبُني على أنقاض مجمع روماني كان مخصصًا لحفظ الماء، وتم بناؤه في القرن الحادي عشر، ويُستخدَم المسجد اليوم كمركزٍ للتطوير وتعليم الأشغال والحرف اليدوية.
- مسجد باب المردوم: تم بناء المسجد سنة 390 هـ، وقد بُني بتصميمات مميزة، حملت معها أنظمةً معمارية وفنية تميزت بها مدينة طليطلة في العصر الإسلامي، وقد تحول المسجد إلى كنيسة بعد خروج المسلمين من الأندلس، وأُطلِق على الكنسية اسم نور المسيح.
- مسجد المنستير لاريـال: وهو أقدم مسجد مبني في الأندلس؛ فبناؤه يعود إلى سنة 92هـ، وقد أنشأه موسى بن نصير. يقع المسجد على تلةٍ مرتفعة تُشرف على القرية من حوله، وقد بُني في الأصل على أنقاض معبد قوطي، ويُعرَف المسجد اليوم بصومعة الناسك.
- قصر المورق: وهو قصر بُني بمزج طرازي الفنَّين الإسلامي ، وكان القصر مقرًّا للحكم وقت بنائه، ولا يزال القصر مستخدمًا حتى اليوم، ولكن تغير اسمه ليصبح قصر إشبيلية.
- قصر جنة العريف: وهو قصر شيده أمراء في القرن الثالث عشر الميلادي، وكان مقرًّا للتنزُّه والاستجمام، ولذلك تكثر به المساحات الخضراء، وكان بالقرب منه نهرٌ وأربعة بساتين مليئة بالأشجار والنخيل، وما زال القصر قائمًا حتى اليوم ولكن مساحة البساتين تقلَّصت.
- قصر الحمراء: وهو قصر أشبه بالقلعة الحصينة، شُيِّد على ربوة مرتفعة، وأخذ مساحةً شاسعة بالإضافة إلى الحدائق الخضراء المجاورة له. يقع القصر بالقرب من العاصمة الإسبانية مدريد، وبدأ بناؤه في القرن الثاني عشر الميلادي، واستغرق نحو 150 سنة، واليوم يوجد القصر ضمن مجموعة الكنوز الإسبانية وعدد 12 كنزًا.
- قلعة شريس: تمَّ بناء القلعة في القرن الثاني عشر الميلادي، شيَّدها الملك الأمازيغي محمد الناصر. وقد اختار الملك مكان القلعة بدقة؛ فمكانها استراتيجي يقع بالقرب من مدينة إشبيلية ومدينة قادس، وقد جعل الملك من القلعة مقرًّا لحاكم المدينة ومكانًا لتسكين قوات الجيش.
- قلعة الحنش: تقع القلعة في مدينة قرطبة. بناها الخليفة عبد الرحمن الثالث في القرن العاشر الميلادي، ويتضح في طريقة بنائها الاعتماد على الطراز الإسلامي العسكري في بناء القلاع.
- حصن المدور: وهو من القلاع التي شيَّدها الحكام الأمويون بهدف الحماية وتأمين مكانٍ لتسكين الجنود. أُنشئ في القرن السابع الميلادي بمدينة قرطبة. وقد خضع الحصن لعمليات ترميمٍ عديدة للحفاظ على هيئته حتى اليوم.