المعلقات هي قصائد مُطوَّلة، كانت تُكتَب بماء الذهب وتُعلَّق على أستار في الجاهلية، تضم أبياتًا من أفصح ما قيل في الشعر العربي وأكثره جزالة، لدرجة أنه من فصاحتها وجمال لغتها وجودة المعنى المكنون فيها أسماها العرب (المُعلَّقات) تصويرًا لها بالعقود التي تُعلَّق في الرقبة، فالعِلْق في اللغة هو النفيس من كل شيء.
تدور أكثر المعلقات حول الأطلال التي يبكيها الشاعر لفراق أحبَّته، أو الغزل والحماسة. وقد اهتم العرب بتدوينها وشرحها وحفظها، لتتوارثها الأجيال شاهدين على بلاغة العرب وفصاحة ألسنتهم. ويبلغ عدد هذه المعلقات المذهبة عشر معلقات، كتبها عشرة من العرب.
امرؤ القيس .. يبكي على الأطلال
“قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ .. بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ”
هو المطلع الأشهر من بين المعلقات العشر، وهو للشاعر الجاهلي امرئ القيس، الذي تُعدُّ معلقته من أهم القصائد، نظرًا إلى أنه ذكر فيها لأول مرةٍ الليل والخيل والأطلال في شعره، وكان بها الكثير من التشبيهات الحديثة التي يُكتَب له فيها الريادة، إذ شبَّه الخيل بالعصا، وغيرها من التشبيهات للسباع والظباء والطير.
طرفة بن العبد .. وروعة وصفه للحياة
“لخولة أطلالٌ ببرقة تهْمدِ .. تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ”
بهذا البيت بدأ طرفة بن العبد معلقته الشهيرة، التي أبدع فيها بالوصف والتشبيه، ووضع فيها آراءه في الحياة والموت والمواقف الإنسانية، بالإضافة إلى ما تضمُّه من أخبار العرب وأخلاقهم السائدة في ذلك العصر.
عبيد بن الأبرص .. وشعره المضطرب
يُعدُّ عبيد بن الأبرص واحدًا من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وقد كان له مع امرئ القيس الكثير من المناظرات والمناقضات الشعرية، ويٌعدُّ من أهم المعلقات. وقد عُرِف عن شعره بأنه “مضطرب”.
يقول في مطلع معلقته:
” أقفر من أهله ملحوب .. فالقطبيات فالذنوب”
عمرو بن كلثوم .. وشعر المعتز بنفسه
كانت معلقته التي تبدأ بـ
“ألا هُبِّي بصحنك فاصبحينا .. ولا تُبقي خمور الأندرينا”
من الشعر الحماسي المليء بالفخر والاعتزاز . ولمَ لا، وهو الذي ساد قومه عندما كان فتًى صغيرًا في الخامسة عشرة من عمره، وجدُّه المهلهل بن ربيعة (الزير سالم) صاحب السيرة الشعبية الشهيرة.
تضم المعلقة مئة بيتٍ خصَّص منها الشاعر قسمًا كبيرًا للملك عمرو بن هند، الذي كان ملكًا للحيرة في ذلك الوقت، ليحلَّ الخلاف بين قبيلتَي تغلب وبكر.
لبيد بن ربيعة العامري .. أشعر العرب
أشعر العرب كما لقَّبه النابغة الذبياني، إذ رأى في عينَيه شاعرًا، فقال له: أنشدني يا غلام. فأنشده لبيد معلقته:
“عفت الديار محلها فمقامها .. بمنى تأبد غولها فرجامها”
وفي هذه المعلقة تحدَّث لبيد عن الخمر والمحبوبة والصفات العربية كالكرم والفخر، وكان ذلك في العصر الجاهلي، إلا أنه أسلم فلم يقُل بعد إسلامه إلا بيتًا واحدًا، واتخذ من وقراءته بديلًا لقول الشعر.
ويُعرَف عن لبيد بن ربيعة أنه كان من علية القوم في نجد، ومدح في الجاهلية ملوك الغساسنة.
زهير بن أبي سلمى .. حكمة الشعر
الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى ربيعة المزني من أشهر شعراء الجاهلية. اتسمت أشعاره بالحكمة والعقلانية، وعدم مدحه أحدًا، إلا أنه نظم معلقته الشهيرة:
“أمن أمّ أوفى دمنةٌ لم تكلّم .. بحومانة الدراج فالمتثلم”
في مدح الحارث بن عوف الذبياني الغطفاني، وهرم بن سنان المري الغطفاني، وذلك نظرًا إلى دورهما في صنع السلام في حرب داحس والغبراء.
وكانت أم أوفى، التي ذكرها زهير في مطلع معلقته، زوجته الأولى التي طلَّقها بعدما تعب من غيرتها الشديدة، إلا أنه ندم على ذلك لاحقًا.
عنترة بن شداد .. ردًّا على معايريه
من شعراء الجاهلية المشهورين، وصاحب واحدةٍ من أشهر قصص السيرة الشعبية الملحمية. نظم عنترة معلقته الخالدة التي مطلعها: “هل غادر الشعراء من متردمِ .. أم هل عرفت الدار بعد توهُّمِ”. وقد قالها عنترة ردًّا على رجل عايره بكونه عبدًا أسود لا يعرف كيف يقول الشعر.
فراح عنترة يُنشد تلك المعلقة المكونة من 84 بيتًا، يصف فيها الفراق عن محبوبته عبلة، ويذكر فيها شجاعته وفروسيته التي تشهد عليها رقاب أعدائه.
الحارث بن حلزة اليشكري .. ردًّا على التغلبي
الحارث بن حلزة كان من عظماء قبيلة بكر بن وائل. كتب معلقته المكونة من 85 بيتًا ومطلعها:
“آذنتنا ببيتها أسماءُ .. رُبَّ ثاوٍ يملُّ منه الثواءُ”
للملك عمرو بن هند ردًّا على عمرو بن كلثوم التغلبي، الذي هاجم قومه، فجاءت المعلقة تفنيدًا لأقواله ودفاعًا عن قومه. وهي من المعلقات التي تُرجِمت إلى اللاتينية والفرنسية لعظمة ما جاء بها من لغةٍ ومواقف.
الأعشى ميمون بن قيس .. والعلاقات العاطفية
تمتاز معلقة الأعشى بجمال تشبيهاتها وصورها البلاغية، والتي يقول فيها:
“تدع الفتى ملكًا مصدعًا .. من قهوةٍ باتت بفارس صفوة”
إذ كتبها يصف فيها الحب والمرأة والعلاقات الفاشلة، كما خصَّص جزءًا منها لهجاء يزيد بن شيبان ولومه.
ومن صدق تعبيرات الأعشى التي وصف بها العلاقات العاطفية وواقعيتها وبلاغتها كانت مضربًا للأمثال بين الناس والعرب. سُمِّي الشاعر ميمون بن قيس بالأعشى لأنه وُلِد ضعيف البصر، وقد أدرك لكنه لم يسلم.
النابغة الذبياني .. نابغةالشعر
هو زياد بن معاوية بن ضباب، الذي لُقِّب بالنابغة لنبوغه في الشعر ولفصاحة كلماته. يُعدُّ من أعظم ثلاثة شعراء للمعلقات، وهم: امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني. وقد نظم معلقته في 50 بيتًا، ومطلعها:
“أفوت وطال عليها سالف الأبدِ .. يا دار ميَّة بالعلياء فالسندِ”
وهي إحدى روائع شعره.