في الأوساط العامة، يرتبط عادةً مفهوم السعرات الحرارية أو الكالوري بالطاقة التي يحتويها الغذاء، لذلك يبحث الأشخاص الذين يسعون إلى زيادة وزنهم أو انقاصه عن السعرات الحرارية في الأطعمة، وعن أنواع الأنظمة الغذائية التي تعتمد على قيَم السعرات الحرارية في الأطعمة المختلفة. لكن من ناحية علمية، يرتبط مفهوم السعرات الحرارية بمفاهيم فيزيائية أساسية ومركبة، هي الطاقة والحرارة. لذلك، حتّى يتسنى فهم السعرات الحرارية، يجب التعرف على المفاهيم ذات الصلة التي تؤدّي إلى مفهوم السعرات الحرارية.
مفاهيم ذات صلة بالسعرات الحرارية
ترتبط السعرات الحرارية بالحرارة النوعية للماء، والتي ترتبط بدورها بمفهومي السعة الحرارية والحرارة النوعية، ولأنهما يرتبطان بالحرارة التي تُعد إحدى صور الطاقة، يجب التطرق إلى هذه المفاهيم جميعها.
الطاقة
يمكن تعريف الطاقة ببساطة بأنها القابلية لبذل الشغل. باعتبار أن الشغل هو قوّة مطبقة على مسافة، والقوة هي كل تفاعل يسبب تغيير اتجاه حركة جسم أو سرعته. على سبيل المثال، عندما يدفع المرء عربة التسوق في المتجر، يقوم بتطبيق قوة على العربة تؤدّي إلى تحركها أو زيادة سرعتها، وبما أنه يطبّق قوّة على العربة بمسافة محددة فهو يبذل شغل ذو قيمة محددة كافية لتطبيق قوّة على العربة تؤدي إلى تحريكها، وحتّى يتمكّن من بذل شغل، يجب أن تكون لديه طاقة كافية لبذل هذه القيمة من الشغل على الأقل. بحسب ذلك، جميع الأنشطة الحركية التي يقوم بها المرء تتطلّب طاقة لإنجازها، هذا النوع من الطاقة يسمى “طاقة حركية”، أي أن المرء عندما يمشي مثلًا تكون لديه طاقة حركية معيّنة (تتناسب مع كتلته ومربع سرعته)، وعندما يدفع جسم ما يبذل شغل كافي لتحريك الجسم مسافة محددة تتناسب طرديًا مع مقدار الشغل المبذول.
- في الفيزياء، توجد أنواع عديدة للطاقة غير الطاقة الحركية. مثل الطاقة الحرارية، التي تنتج عن التغيّر في حركة الجزيئات المكوِّنة للمواد وبالتالي تتسبب في تغيير درجة حرارة الأجسام. ومثل الطاقة الكيميائية التي تُختَزن في الروابط الجزيئية بين ذرات المواد. بالإضافة إلى أنواع أخرى عديدة. وبغض النّظر عن نوع الطاقة وتقسيماتها، تُقاس الطاقة في الفيزياء بوحدة موحّدة، هي “الجول”. يمكن تخيّل قيمة وحدة الجول من خلال معرفة أنه عندما يقوم المرء مثلًا بتحريك جسم ذو كتلة تساوي كيلوجرام واحد من نقطة إلى نقطة أخرى تبعد عنها مسافة متر واحد، خلال ثانية واحدة، يكون قد بذل بذلك طاقة تساوي جول واحد، أي أن الطاقة اللازمة لإتمام هذه العملية هي واحد جول.
- تتكوّن جميع المواد (بما في ذلك الأطعمة وجسم الإنسان) من ذرّات، ترتبط الذرّات مع بعضها بعضًا لتكوِّن الجزيئات والمركبات. هذه الجزيئات المكوّنة لجميع المواد في حالة حركة دائمة، واختلاف هذه الحركة وسرعتها هي ما تميّز درجة حرارة المواد. أي أن درجة الحرارة هي كمية فيزيائية تمثّل قياس حركة الجسيمات الميكروسكوبية (مثل الجزيئات). بالتالي، المواد التي تتحرّك جزيئاتها بسرعة أكبر، تكون لديها درجة حرارة أعلى من المواد التي تتحرّك جزيئاتها بسرعة أقل، وكذلك تسخين مادة ما، يعني زيادة سرعة جزيئاتها أو الجسيمات الميكروسكوبية المكوِّنة لها.
- من ناحية أخرى، تختلف كمية الطاقة المطلوبة لتسخين المواد المختلفة. على سبيل المثال، الطاقة اللازمة لتسخين حجم معين من الماء إلى درجة حرارة محددة، أكبر من الطاقة اللازمة لتسخين نفس الحجم من الهواء إلى نفس درجة الحرارة (لذلك تُستخدم الماء حديثًا لتبريد محركات السيارات بدلًا من الهواء)، يُعرَف هذا الاختلاف بالسعة الحرارية للمواد، أي أن السعة الحرارية هي كمية الطاقة اللازمة لتغيير درجة حرارة مادة معيّنة. بحسب ذلك، المواد المختلفة لها سعات حرارية مختلفة. يرجع هذا الاختلاف في السعة الحرارية بين المواد إلى أن المواد الأقل كثافة كالهواء والغازات تتكوّن من عدد جزيئات أقل من المواد الأعلى كثافة كالماء أو المواد الصلبة، وذلك عند نفس الحجم، وبالتالي يجب بذل كمية طاقة أكبر لرفع درجة حرارة الماء مثلًا من كمية الطاقة المطلوبة لرفع درجة حرارة الهواء.
- ولأن السعة الحرارية لا تقارن بين المواد بدقّة، لعدم تحديد وحدة للمقارنة (مثلًا، بالرغم من أن للماء سعة حرارية أكبر من الهواء، ألا أن غرام واحد من يتطلب كمية طاقة أقل لتسخينه من طن واحد من الهواء)، تُستخدم الحرارة النوعية للمقارنة بين المواد، وهي تعرف عمومًا بأنها السعة الحرارية لمادة ما لوحدة الكتلة. أو بعبارة أخرى، هي كمية الطاقة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من مادةٍ ما بمقدار درجة حرارة مئوية واحدة (واحد سلزيوس). بالتالي، من خلال الحرارة النوعية للمواد يمكن المقارنة بين المواد بسهولة، لأن كل مادة لها حرارة نوعية مميزة، أي أن كتلة واحد جرام من مادةً يتطلب تسخينها درجة مئوية واحدة كمية طاقة مختلفة عن كمية الطاقة المطلوبة لتسخين نفس الكتلة من أي مادة أخرى درجة مئوية واحدة.
تعرف السعرات الحرارية أو الكالوري بدلالة مقدارين مختلفين، هما الحرارة النوعية للماء، والسعرات الحرارية الغذائية، والتي تساوي الحرارة النوعية للماء مضروبة في العدد 1000. لكن بشكل عام، يرتبط تعريف السعرات الحرارية بالحرارة النوعية للماء، والتي تساوي قيمة سُعر أو سُعرة أو كالوري واحد (تسُمّى السعرات الحرارية الصغيرة)، أو 1 من الألف من قيمة كالوري واحد (تُسمّى السعرات الحرارية الكبيرة، والسعرات الحرارية الغذائية).
الحرارة النوعية للماء
لكل مادة حرارة نوعية مميزة، الحرارة النوعية للماء هي 4.186 جول لكل جرام واحد، أي أن كمية الطاقة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء درجة مئوية واحدة تساوي 4.186 جول. تعتبر الحرارة النوعية للماء أعلى من الحرارة النوعية لمعظم المواد المعروفة والمستخدمة في الحياة اليومية، حتّى مقارنةً بالمواد ذات الكثافة المرتفعة مثل الذهب، الذي له حرارة نوعية تساوي 0.13 جول لكل جرام. أي أن كمية الطاقة المستخدمة لزيادة درجة حرارة جرام من الماء درجة مئوية، كافية لزيادة درجة حرارة 32 جرام من الذهب درجة مئوية واحدة. وبسبب ارتفاع الحرارة النوعية للماء، بالإضافة إلى أهمية الماء في الحياة اليومية وفي العلوم، تم تخصيص وحدة تعبّر عن الحرارة النوعية للماء، وهي “الكالوري”، أو “السعرة الحرارية”، أي أن الكالوري أو السعرة الحرارية الواحدة تساوي كمية الطاقة اللازمة لزيادة درجة حرارة جرام واحد من الماء درجة مئوية واحدة، وهو ما يساوي 4.186 جول. بالتالي، المقدار 10 كالوري مثلًا، كافي لتسخين 10 جرامات ماء درجة مئوية واحدة، ويساوي بالجول 41.86 جول.
السعرات الحرارية الغذائية
يستهلك جسم الإنسان مقدار كبير نسبيًا من الطاقة للقيام بالمهام المختلفة والحفاظ على العمليات الحيوية داخل الجسم، فضلًا عن الحفاظ على درجة حرارة الجسم. مثلًا، حتّى تظل درجة حرارة جسم الإنسان ثابتة (بين 36.5 و37.5 درجة مئوية) يجب أن يستهلك الجسم الطاقة باستمرار (من الغذاء) لتعويض الحرارة المفقودة نتيجة تواجد المرء أو الجسم في بيئة ذات درجة حرارة أدنى من درجة حرارة جسمه (مثل درجة حرارة الغرفة 20-25 درجة مئوية)، وباعتبار أن متوسط كتلة الإنسان البالغ تساوي 70 كيلوجرام، فهذا يعني أنه يجب استهلاك طاقة كافية للحفاظ على درجة حرارة 70000 جرام من المادة التي تتكون معظمها من الماء (جسم الإنسان)، فضلًا عن الطاقة المطلوبة للحركة والأنشطة اليومية المختلفة والعمليات الحيوية داخل الجسم. لذلك، يصل متوسّط استهلاك جسم الفرد الواحد للطاقة إلى 10 ملايين جول تقريبًا. أي عند تناول كمية طعام كافية لحاجة الإنسان من الطاقة، فإنه يتناول كمية طعام تزوِّده بطاقة تعادل حوالي 10 ملايين جول، وعند تناول كمية طعام أقل من اللازمة للحفاظ على الجسم، يتم تفكيك الطاقة المخزنة في الجسم على شكل دهون (وغيرها، عند الضرورة) لتعويض الطاقة الناقصة، وعند تناول كمية طعام أكبر من اللازمة، يتم تخزينها في الجسم على شكل دهون بشكل أساسي.
- ولأن كمية الطاقة اللازمة يوميًا للحفاظ على الجسم تقدّر بالملايين عند قياسها بوحدة الجول، وتقدّر بمئات الآلاف عند قياسها بوحدة الكالوري (أو السعرات الحرارية الصغيرة)، تمّت إضافة بادئة إلى وحدة الكالوري، وهي “الكيلو” (تُضاعف ما يليها 1000 مرة)، للتعبير باختصار عن كمية الطاقة اليومية اللازمة للحفاظ على جسم الإنسان، وكذلك للتعبير عن كمية الطاقة التي يمكن أن يزوّد بها طعام ما جسم الإنسان. أي أن الكيلوكالوري الواحد يساوي 1000 كالوري (أو 1000 سُعر حراري صغير، أو سُعر حراري واحد كبير، أو سُعر حراري غذائي واحد) أو 4186 جول. بالتالي، تكون المعلومات المكتوبة على المواد الغذائية عادةً بالكيلوكالوري. مثلًا، عندما تُكتَب على إحدى المعلبات أن قيمة السعرات الحرارية فيها تساوي 200، يكون المقصود هو أنها تزوِّد الجسم بطاقة تُعادل 200 كيلوكالوري، أو 200 ألف كالوري، أو 837200 جول. وكذلك تستخدم السعرات الحرارية في معظم الأنظمة الغذائية والمعلومات الغذائية على النحو ذاته، أي يكون السعر الحراري فيها يساوي 4186 جول. بحسب ذلك، يمكن تعريف السعرات الحرارية أو السُعر الحراري الواحد بأنه مقدار الطاقة اللازمة لزيادة درجة حرارة كيلوجرام من الماء درجة مئوية واحدة.