من هو حاتم الطائي
حاتم الطائي، هو حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي، من شعراء الجاهلية، وقد كان ذا شهرةٍ واسعة. عاش في القرن السادس عشر الميلادي بشبه الجزيرة العربية، وتحديدًا في ، والتي كان يُطلَق عليها قديمًا بلاد الجبلَين، ودُفِن بها عام ستمئة وخمسة ميلادية.
ينتمي حاتم الطائي إلى قبيلة (طيء) العربية، وليس هذا فحسب، بل كان أمير تلك القبيلة، وابنه هو الصحابي الجليل عدي بن حاتم. عُرِف حاتم بكرمه الشديد، وقد ذاعت سيرة كرمه في جميع البلدان، وهناك الكثير من التي تُحكى عن كرمه، بل إنه صار فيما بعد مضربًا للأمثال في الكرم والجود.
قصة حاتم الطائي مع الغلام اليتيم
في أحد الأيام سأل أحدهم حاتم الطائي قائلًا له: يا حاتم، هل غلبك أحد في الكرم؟ وهنا جاء الرد المفاجئ: نعم. فاستنكر الرجل كيف وهو أكرم العرب وأجودهم؛ فأجاب الطائي: كان هناك غلام يتيم من قبيلة طيء، نزلت بفنائه في أحد الأيام، يمتلك من الغنم عشرة رؤوس، فعمَد إلى أحد الرؤوس وذبحها وطبخها وقدمها إليّ، وأول ما قدَّم لي الدماغ استطبت طعمه، فقُلت له مادحًا: طيِّبٌ والله، فتركني وانصرف، وصار يُقدِّم لي الرأس بعد الرأس وأنا لا علم لي بأمره، وعندما هممت بالرحيل وجدت ما حول داره قد تحوَّل إلى بركةٍ من الدماء، فقد أقدم على ذبح العشرة رؤوس كلها، فقلت له مستنكرًا: لماذا فعلت ذلك؟ فقال لي الغلام، وقد استنكر هو الآخر سؤالي: سبحان الله! أتستطيب ما أملك فأبخل به؟ إن ذلك ليس من شيم العرب.
وهنا سأل السائل حاتم مرةً أخرى: وبمَ عوَّضته يا حاتم؟ قال حاتم: عوَّضته ثلاثمائة ناقةٍ حمراء، وخمسمئة رأسٍ من الغنم. فقال السائل: إذن أنت أكرم منه، فقد عوَّضت العشرة رؤوسٍ بثلاثمئة ناقةٍ حمراء وخمسمئة رأسٍ من الغنم. فقال حاتم: لا، بل هو أكرم مني، لأنه جاد بكلِّ ما يملك، أما أنا فأجود بقليلٍ من كثير.
حاتم الطائي وبخله المصطنع
كان العرب يتناقلون سمعة حاتم الطائي في الكرم والجود، ويسمع بها كل من نزل بشبه الجزيرة العربية. وفي أحد الأيام أتى أعرابي على هذه السمعة ولم يكُن يعلم عن حاتم سوى كرمه وجوده، فلمَّا التقى حاتمًا رآه مُتجهِّمًا عابس الوجه، فسأله حاتم: ما حاجتك؟ فقال الأعرابي: أشتكي من طول السفر وخواء البطن والعطش، فلمَّا سمعت عن كرمك قصدت دارك. فردَّ حاتم وهو يصطنع التجهم والعبوس: وهل داري مفتوحة لكلِّ من يقصدني كي يأكل ويشرب؟
وهنا شعر الأعرابي بالحرج الشديد؛ فامتطى جواده وانطلق دون أن ينطق بكلمةٍ واحدة. وما أن ابتعد حتى تلثَّم حاتم وامتطى جواده وسار يلحق بالأعرابي، فلمَّا التقى بالأعرابي مرةً أخرى، سأله وهو مُلثَّم: من أين أقبلت يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: من عند حاتم الطائي. فسأله حاتم: وكيف استقبلك حاتم؟ فأجابه الأعرابي: كنت جائعًا فأطعمني وعطشانًا فسقاني.
وهنا كشف حاتم عن وجهه ضاحكًا، وقال للأعرابي: أنشدني صدقًا لماذا كذبت عليَّ ولم تقُل الحقيقة؟ فأجاب الأعرابي: ومن يُصدِّقني من العرب إذا تحدثت عن بخل حاتم. فضحك حاتم ودعى الأعرابي إلى داره ونحر له وأكرمه.
قصته مع رسول قيصر الروم
بلغ أحد قياصرة الروم أن حاتمًا يملك فرسًا من أفضل الخيول، فأراد أن يشتريها منه، فأرسل أحد رجاله حتى يقوم على مهمة شراء الفرس. وهناك في بيت حاتم دخل فأسرع حاتم حتى يحضر الطعام دون أن يعلم من هو ضيفه وما سبب الزيارة، وعندما خرج لم يجد أيًّا من إبله، فجميعها كانت في المرعى، فنظر حوله فلم يرَ سوى فرسه، فنحرها وطبخها وقدَّم الطعام لضيفه.
وبعد أن تناول الضيف طعامه، سأله حاتم: من الضيف؟ -وكانت عادة العرب استقبال الضيف وإطعامه قبل أن يسألوه عن طلبه- فقال: أنا رسول القيصر، أتيتك لمَّا سمع عن فرسك وأنها من أجود الخيول، فأراد أن يشتريه فأرسلني إليك، ولك ما تطلب فيه. فضحك حاتم وقال للضيف: فرسي هي طعامك الذي تناولته الآن، فأنا لم أجد غيرهها من أنعامٍ لأنحرها لك. وهنا اندهش الرسول من كلام حاتم لما يعلم من قيمة الفرس، وقال: والله لقد رأينا منك أكثر ممَّا سمعنا. يعني جوده وكرمه.
سفانة حاتم الطائي أسيرة رسول الله
عندما انتشرت الفتوحات الإسلامية، افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة طيء، وكان من بين السبايا امرأة تُدعى سفانة، هي ابنة حاتم الطائي.
كانت تلك المرأة مشهورة في قبيلتها ببلاغة عقلها وحكمتها، فوقفت أمام تناشده أن يفكَّ أسرها إكرامًا لأبيها أكرم العرب حاتم الطائي، وذلك بعد أن هرب أخوها من جيوش وتركها وحيدةً في الأسر؛ فقالت كلماتها البليغة التي سجلها التاريخ موجهةً كلامها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلةً: “اُمنُن عليَّ منَّ الله عليك، فقد هلك الوالد، وغاب الوافد، ولا تُشمِت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفُكُّ الأسير، ويحمي الضعيف، ويُقرى الضيف، ويُشبع الجائع، ويُفرِّج عن المكروب، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يرُدَّ طالب حاجةٍ قط، أنا بنت حاتم الطائي”.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جاريـة، هذه صفـة المؤمـن، لو كـان أبـوك مسلمـًا لترحَّمنـا عليـه. ثم قال لأصحابـه: خلُّـوا عنها، فـإنَّ أباهـا كان يحـب مكـارم الأخـلاق. وتركها إكرامًا لأبيها الذي يُكرَم حيًّا وميتًا، فهو حاتم الطائي مضرب المثل في الجود والكرم.