بطريقةٍ تتشابه مع أحداث المثيرة (مضيف)، التي تحكي عن عالمٍ مجنون قام بتحميل دماغه على وتجميد جسده، نشر مؤلف الرواية بيتر جيمس عام 1993، ولأول مرةٍ في تاريخ الأدب، روايته على قرصَين مُدمَجين، لتكون (مضيف) أول روايةٍ إلكترونية في التاريخ.
لم تمر الحادثة بسلام، إذ انقلبت عليه الصحافة، واتهمه العالم بمحاولة تدمير الأدب والثقافة، بل ألقى أحد المراسلين الصحفيين جهاز حاسوبٍ في البحر ليُوضِّح مدى تفاهة ما قام به جيمس وبشاعته.
وبعدها بعامَين كان بيتر جيمس في ندوةٍ مع ستيف جوبز، مؤسس ، بجامعة جنوب كاليفورنيا، وكان يتحدث عن مستقبل الأدب، وذكر أنَّ الكتاب الإلكتروني سيكون أكثر انتشارًا من الكتاب المطبوع، عندها غضب عليه جمهور الندوة، وتركوه في حيرة من أمره.
الآن، وبعد مرور خمسة وعشرين عامًا أصبح الكتاب الإلكتروني بالفعل أكثر شهرة من مثيله المطبوع، بل أصبح خطرًا على بقاء الكتاب الورقي، وأصبحت رواية جيمس قطعةً أثرية في متحف العلوم كدليلٍ على تاريخ النشر الرقمي، ومثالٍ مُبكِّر للرواية الإلكترونية.
وعلى الرغم من الهجوم على بيتر جيمس لنشر روايته بشكلٍ رقمي، إلا أنَّ رواية (المضيف) لم تكُن المحاولة الأولى لنشر كتابٍ إلكتروني. لذا، سنذهب من هنا مع الكتاب الإلكتروني في رحلته من بدايتها حتى وقتنا الحالي.
أول ظهور لفكرة الكتاب الإلكتروني
كانت البداية في عام 1971 مع مشروع غوتنبرج، حين أنشأ الأستاذ مايكل هارت بجامعة إلينوي مكتبةً إلكترونية مكوَّنة من 10 آلاف كتاب، حوَّل فيها بعض المراجع الورقية إلى نصوصٍ إلكترونية سهلة التحميل. وقد عكس ذلك المشروع مثالية المعرفة غير الهادفة إلى الربح، وهي الفكرة التي يقوم عليها نفسه.
كان رأي هارت أنَّ النشر الإلكتروني للكتب والمراجع بمنزلة مدينةٍ فاضلة؛ فهو وسيلة ديمقراطية يصل بها العلم والتعليم إلى أكبر عددٍ من الناس ويعد أفضل وسائل . ولا زال المشروع مستمرًّا بالفعل حتى هذه اللحظة.
وفي السبعينيات أيضًا أتاح بوب غانر -وهو ناشر للكتب الهزلية- كتبه من خلال ملفاتٍ نصية نشرها على موقع مكتبات بروديتي أون لاين، ليستطيع الأعضاء المشتركون في خدمات المكتبة تحميلها، وعندما تطور استخدام الرسوم انتقل بكتبه ورسوماته إلى الإنترنت المحلي.
أما في مجال الأدب فقد صمَّم شاب يُدعى كن جينكس موقعًا إلكترونيًّا يتيح للزوَّار قراءة الصفحة الأولى من الرواية قبل شرائها، وفي عام 1999 بيعَ الموقع إلى شركةٍ أخرى، ولا يزال عمله قائمًا حتى الآن.
بداية النشر في الثمانينيات
في الثمانينيات انتشرت أقراصا التخزين المُدمَجة، ممَّا شجع كثيرين على تحويل المراجع العلمية الورقية إلى نسخٍ إلكترونية، وكانت منهم موسوعة غرولير، التي نُشِرت عام 1985.
وبعدها بأربعة أعوامٍ أنشأت شركة إيستجيت للأنظمة -وهي شركة خاصة بألعاب الفيديو- أول نصٍّ خيالي فائق سُمِّي (بعدالظهر)، وهو مُقتبَس من قصةٍ لمايكل جويس، وأصبح الكتاب متاحًا على قرصٍ مرن.
أول ظهورٍ لقارئٍ إلكتروني
في مطلع التسعينيات كان الظهور الأول لقارئٍ إلكتروني على يد جون جولسكا، تحديدًا في عام 1990، فكان ابتكار أول البرامج القارئة للكتب الإلكترونية على . وبعدها بثلاث سنواتٍ في عام 1993 أطلقت شركة بابليوبايتس أول موقعٍ لبيع الكتب الإلكترونية، وهو العام نفسه الذي انقلبت فيه الصحافة على صاحب أول روايةٍ إلكترونية.
توالت الاختراعات وتطورت التكنولوجيا، فأطلقت شركة نيرو ميديا عام 1998 أول جهازٍ محمول لقراءة الكتب الإلكترونية (ذا روكت).
وفي عام 1999 أتاحت جامعة أوكسفورد مجموعةً كبيرة من الكتب عبر مكتبتها الإلكترونية، كما دشَّن المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا بأمريكا المؤتمر الأول للكتاب الإلكتروني، وعندها صرَّح ديك براس من شركة مايكروسوفت بأنَّ الكتاب الإلكتروني هو مستقبل القراءة خلال القرن القادم، بل توقع أنَّ 90% من الكتب ستكون متاحةً وتُباع إلكترونيًّا بحلول عام 2018.
وكما توقع براس بالفعل فإنَّ أغلب الكتب الموجودة في أنحاء العالم متاحة الآن إلكترونيًّا لكلِّ من يطلبها، بل إنَّ الموسوعات العلمية أصبحت لها نسخ على الإنترنت لمواكبة العصر التكنولوجي، وأصبح الآن الخطر يُهدِّد الكتاب المطبوع، لا سيما لمميزات الكتاب الإلكتروني التي تخصُّه من دون الكتاب الورقي من ناحية السعر وسهولة التخزين وتوافر الكتب في الحقول واللغات المختلفة، والتي قد لا تكون متوافرة في المكتبات القريبة.
في الوقت الحالي لا تتصدر الكتب الإلكترونية فقط السوق، بل أصبح النشر بمختلف أشكاله، سواءً الصحافة أو الكتب أو المجلات، يتجه إلى النشر الإلكتروني، توفيرًا للوقت والمال والجهد، وللوصول إلى أكبر عددٍ من الجماهير خاصة بعد توافر وإنتشارها، فأصبحت متاحة للجميع في أي وقت وأي مكان.