كيف تكتب رواية
ربما تستغرب أن أول إجابةٍ على سؤال (كيف تكتب رواية) هي أنه عليك تقديم قطعةٍ نابضة من الحياة، وليس رواية يشعر قارئها أنه ينظر إلى كاتبها وهو يُحرِّك أصابعه على أزرار لوحة المفاتيح، فبمُجرِّد أن يفقد القارئ الشعور بأنه داخل عالمٍ حقيقي تفقد الرواية معناها.
انظر إلى روايتك من الأعلى
إذا كانت المشروعات التجارية تبدأ ب، فالمخطط الروائي يؤدي المهمة نفسها، فهو يجعلك قادرًا على رؤية الرواية التي تعمل عليها بشكلٍ متكامل، ويُساعدك على التأكد من أن هذه الفكرة لم تُتناوَل في روايةٍ من قبل، وأنها من أفكارك الخاصة وليست نتيجة تأثرٍ بروايةٍ أو كتابٍ انتهيت من قراءته للتو، كما تجعلك مدركًا للعيوب والنقائص والثغرات، وتُوفِّر لك ملخصًا يمكنك استشارة الآخرين فيه كفكرةٍ عامة قبل بدء العمل.
صناعة الشخصيات
في الحياة الحقيقية كثيرًا ما تتوقَّع تصرفات أهلك وأصدقائك، تعرف مُسبقًا كيف سيتصرَّفون عند مرورهم بموقفٍ معين، لأنَّ لكلِّ شخصيةٍ طريقتها وردَّ فعلها، وفي المقابل ربما يخبرك أحدهم بشيءٍ قام به شخص تعرفه فتُقسم له أنه لا يمكن لهذا الشخص أن يفعل ذلك، وهذا بالضبط هو ما يجب عليك أن تراعيه في شخصيات روايتك وكيف تكتب رواية إن لم تكن قد حددت شخصياتها قبلًا.
فكلُّ تصرفٍ تقوم به الشخصية يجب أن يكون متَّسقًا معها، ومع طبيعتها وسرعة تفاعلها وأفكارها وتاريخ حياتها، لذلك تُعدُّ مرحلة صناعة الشخصيات إحدى المراحل الشاقة في العمل الروائي، والتي بنهايتها تكون قد أعددت ما يقرب من ثلث العمل.
وليست الشخصيات الروائية نسخًا مطابقةً لشخصياتٍ موجودة في العالم الحقيقي، وإلا لأغنت الكاميرات الوثائقية عن فنِّ الرواية. وليست الشخصيات الروائية أيضًا خيالًا صرفًا، فإذا كنت تكتب عن شخصيةٍ عصبية فلا مانع من استحضار شخصٍ عصبي تعرفه، فتعيش الموقف بروحه وانفعالاته، فيخرج متسقًا مع شخصية الرواية، في حين أنك لم تجعل شخصيتك مشابهة لذلك الشخص بالكامل، بل استعرت منه عصبيته لتشابهها مع صفةٍ في شخصية روايتك، بينما يقترب الشكل الخارجي لشخصيتك من شخصٍ آخر تمامًا يسكن جارًا لك، فكلُّ شخصية هي تجمُّع لعددٍ كبير من الشخصيات الإنسانية الواقعية أو ما يقاربها دون أن يطابق أحدها.
فالشخصية الشهيرة (أحدب نوتردام) في رواية فيكتور هوغو أحد كتاب التي تحمل الاسم نفسه كانت تشبه في مظهرها الخارجي عاملًا في أحد الكنائس يعاني من تشوُّهات في مظهره التقى به هوغو صدفةً خلال زيارته للكنيسة، وهو الأمر الذي اكتشفه باحثون بعد سنواتٍ طويلة من الرواية. استخدم هوغو مظهره ليُولِّد شخصيةً لها أبعادها الاجتماعية والنفسية والعاطفية الخاصة بها، فلم يكُن هناك تواصل بين الروائي وهذا الشخص سوى رؤيته له في ذلك اللقاء الخاطف.
ولك الخيار في طريقة إظهارك للشخصيات في الرواية، فيُمكن أن تبدأ في الحكاية تاركًا ظهور الشخصيات ليأتي عفويًّا، كل منهم في وقته وبطريقته، وسيكون القارئ قادرًا مع مرور الصفحات أن يتصوَّر هيئةً وشخصيةً لكلٍّ منهم حسب تصرفاته وأقواله؛ ويمكنك بدلًا من ذلك أن تستعرض الشخصيات للقارئ من خلال صوت الراوي، واصفًا مظهرها الخارجي وطباعها وما تعانيه من صعوباتٍ وما تحمله داخلها من أحلام.
كتابة الحوار
ما زال النقاش محتدمًا حول استخدام اللغة العربية الفصحى أو العامية في الحوارات، فعدد من الأعمال الروائية الشهيرة اختارت أن تكتب حوارات شخصياتها باللهجة العامية، بينما كتبت روايات أخرى الحوارات باللغة العربية البسيطة دون تعقيد، أو دمجت بينهما معًا.
ففي رواية تُقدِّم الحوار أحيانًا بالعربية الفصحى، كما في الحوار بين خالد طوبال وسي طاهر:
ظلَّ يتأملني قبل أن يحتضنني بشوقٍ وكأنه كان ينتظرني هناك منذ سنة، ثم قال:
– جئت؟
وأجبته بفرحٍ وحزن غامض معًا:
– جئت.
بينما تُقدِّم الحوار في أحيانٍ أخرى باللهجة الجزائرية، كما في تحية الجار لخالد طوبال:
– أهلا سي خالد.. واش راك اليوم؟
ولكتابة الحوارات باللهجة العامية ميزة إمكانية التحدث بمستوياتٍ وتعبيرات مختلفة تتناسب مع المستوى التعليمي والبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها الشخصية، فالجملة التي تقولها جدة في السبعين من عمرها تختلف عن جملة تقولها فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، الأمر الذي لا تتيح العربية الفصحى فيه قدرًا كافيًا من المرونة.
بينما تمتاز كتابة الحوارات بالعربية الفصحى بأنها مفهومة للقراء على اختلاف بلدانهم، في حين تكون عامية الحوارات عائقًا في فهم المقصود منها بعض الأحيان أمام من لا يعرف اللهجة ولكن تميل بشكل عام للفصحى.
وتستعيض بعض الروايات عن الحوارات بالسرد، فيُذكَر محتوى الحوار ضمنيًّا في السرد، بينما تبقى للحوارات ميزة أنها تشابه الحياة الحقيقية بشكلٍ أفضل، وأنها توفر فرصةً لتقديم الكثير من المعلومات عن الشخصيات من خلال ما يقولونه، وما يتبادلونه بينهم من اتهاماتٍ أو تلميحاتٍ أو ذكريات وبطبيعة الحال يجب أن يكون نسيج الرواية حاملًا لكل أساسات اللغة بما في ذللك و وكذلك .
الصراع
تقوم القصص والروايات على وجود صراعٍ بين الإنسان ونفسه، أو بين الإنسان ومحيطه وظروفه، أو بين الإنسان والناس من حوله، فما المثير في قراءة رواية عن شخصٍ يملك كل ما يتمنَّاه، ويتفاهم جيدًا مع كل من حوله، ولا يقف في طريق أحلامه أي معوقات تُذكَر؟!
وينتج الصراع من وجود حلمٍ كبير في حياة الإنسان يطمح له ويسعى إليه ويتعرض لعائقٍ كبير يحول بينه وبين تحقيقه، أو وجود عقدة نقصٍ كبيرة في تاريخه ويتعرض لموقف يضعه وجهًا لوجه مع نقطة ضعفه وخوفه الكبير، بينما ينتج الصراع مع الناس من تناقضات الحب والكره، والبعد بعد التعلُّق، والاضطرار للتعامل مع من لا تطيق، والتعامل مع الشخصيات المضطربة نفسيًّا، والمنفلتة أخلاقيًّا، والمتجاوزة للقانون.
ويصل الصراع إلى أعلى مستوًى له في الحبكة، وهي أصل الحكاية ولبُّ الموضوع، والتي تُعرَف بأنها موقف حياةٍ أو موتٍ تتعرض لها الشخصية الرئيسية أو شخصيات الرواية المختلفة وينتهي بنهاية الصراع، سواءً كانت نهاية سعيدة أو حزينة.
استعد لإعادة الكتابة
إعادة الكتابة جزء لا يتجزَّأ من الكتابة الروائية، فلا تظن أن الأعمال الروائية المميزة قد تمَّت كتابتها بهذا الشكل منذ المرة الأولى، بل عليك أن تكون مستعدًّا لعملية الكتابة دون قلق أو مثالية، تكتب فيها الجمل والأحداث كما ترد في ذهنك، ثم تنتقل للمرحلة الثانية وهي إعادة الكتابة لتقوم بحذف التفاصيل المملة، وإضافة المزيد من التشويق.
وتُعدُّ الصفحتان الأولى والأخيرة من الرواية هما الأكثر إعادة كما صرح بذلك الكثير من الكتاب أمثال إرنست همنغواي و أورهان باموق، واحرص على أن تترك روايتك جانبًا لعدة أيامٍ قبل أن تعيد قراءتها من جديدٍ بغرض تعديلها.
إبداعات روائية
إذا كانت القاعدة تقول أنه عليك أن تختار صوت الراوي سواءً كان أحد الشخصيات، أو الراوي العليم وهو الصوت الذي لا ينتمي إلى شخصيات الرواية وإنما يأتي من خلفهم مفسرًا وموضحًا، فالكثير من الروايات مزجت بين الأمرَين، أو نوَّعت رواة الرواية وجعلتهم أكثر من شخصيةٍ واحدة كما في رواية (أنت لي) للروائية منى المرشود والتي قدمت الأحداث نفسها أكثر من مرة، يرويها في كل مرةٍ أحد شخصيات الرواية ويُفسِّرها بتفسيراته ويُريها للقارئ من زاويته، فكانت روايةً جميلة ومميزة وهنا تكمن الصحيحة.
وفي الأخبر، لا تظن أنه عليك أن تسير وفق القواعد دون أي تغيير، فالرواية إحدى مجالات الإبداع التي اتسعت للكثير من الأعمال التي خالفت القواعد، فأتت أجمل وأكمل، وعُدَّت بدايةً لمدرسةٍ جديدة في الكتابة الروائية.